الإثنين 2014/07/14

آخر تحديث: 14:08 (بيروت)

غادة نبيل: نحن كائنات منذورة للسأم.. وصدفة الحب

الإثنين 2014/07/14
غادة نبيل: نحن كائنات منذورة للسأم.. وصدفة الحب
increase حجم الخط decrease
في "هواء المنسيين"، جديد الشاعرة المصرية غادة نبيل عن دار "شرقيات"، الكلمة مُصفّاة. علاقة قصائدها بالهند تعود إلى جدّها الذي قرأت من مكتبته نسخة من "جيتنجالي"، حين كانت في الخامسة عشرة من عمرها. لم يتحدث الجدّ يوماً عن الهند، لكن في بيته، حيث تعيش نبيل منذ سنوات، توجد مقتنيات من زيارة كان قد قام بها إلى الهند كمهندس مبعوث من وزارة الري والأشغال في العشرينات من القرن الماضي. رحلة بحرية طويلة استغرقت عامين، أيام الإحتلال البريطاني، جاب خلالها الهند شمالاً وجنوباً، ودوّن في مفكرات صغيرة، بالقلم الرصاص مع بعض الصور، أهمّ المَشاهد، بالأبيض والأسود.

هذا تأثير أول في ذائقة الشاعرة. والثاني، غرامها بحركة وكتابات أتباع راما كريشنا، منذ كانت طفلة في بريطانيا. أيضاً، ضاعف علاقتها بالهند، أتباع الطائفة الأوروبية الذين زاروا الجامعة حيث درست، للتبشير بالهندوسية والنقاش حول الهند: حجمها، مناخها المتفاوت، عنف أنهارها، تنوع دياناتها، وطبعاً الهيمالايا - حضن الهاربين من الزمن.

للسفر عموماً تدّخل كبير في رسم مشاهد الشاعرة ولغتها. وهي ترّد ذلك الى التهجير من مدينة مولدها، حيث بداية الألم. كانت كل القسوة أن تصحو الشاعرة على عالم غابت عنه وجوه أحبتها. من التهجير، تعلمت كيف تلفظنا المدن، كما علّمها قيمة الترحال الذي بدا قدراً أبدياً كأنما تبحث فيه عن الناجين وعن الحب وعن الهروب من الضجر. ترى نبيل أننا كائنات منذورة للسأم ولصدفة حب يهزّ الروح. وترى فيه التيه الرحيم الذي أغنى شِعر طاغور ورامبو وغيرهما، وهو المخدّر الذي يريحنا من توقعات الآخرين عنا: "الغريب لا يتوقع منك شيئاً". الصور في شعر غادة، كما أجواء الأساطير، تُدين للسفر.

بدت الحياة، بشكلانيتها في مجموعة الشاعرة، هادئة، والحياة مريحة غير متعثرة أو نادبة ومكتنزة فنياً كما لو أن الحياة دربتها على عدم الشكوى. سوى أن متابعة أعمق تتكشف عن قصائد تعاكس الهدوء. عندها تلك الحيلة لمداراة الشكوى، لتمريرها. في قصيدة غادة، طاقة عنف داخلي، تحرص على ضبطها لتتوازن فنياً في محاولتها الى كتابة عالية وجديدة. لا ترى غروباً لفن الشعر وسط احتدام العالم وخرابه. ترى أن العالم دمّر مرات عديدة في الماضي، وسقطت حضارات، وبقي الشِّعر. سيبقى الشعر، ليس لأن هذه أمنية الشاعرة، بل لأن الإنسان لا يستطيع مواصلة كل هذا الدمار من دون الفن. الإله "شيفا"، في وضعيته الأشهر يكون راقصاً وعازفاً على الناي. "شيفا ناتاراج" يرقص فوق قزم الجهل رقصته الكونية، يُدمرّ العالم ليعيد خلقه. كلما استفحل الشرّ، تقول غادة، زادت الحاجة إلى الشِّعر والفن.

كثير من شعراء أوروبا كتبوا شِعرهم في الخنادق، بين قصف وآخر. في ثورة مصر، رأت غادة مواطنين عاديين يقولون أشعارهم والناس تتحلق حولهم وتسجّل لهم. الثورة فعل شِعري بإمتياز، لأنها هدم وخلق وجموح وانتصار للتغيير، والشِّعر فعل حنان ومجابهة مستمرة، ودوره أن يُربّت علينا كي لا ننتحر.

تُحبّ غادة الموسيقى بلا كلمات، والأغنيات التي تجهل لغاتها. تحب الرقص والفن التشكيلي وتحب من الشعراء من لا يموتون: أبو العلاء المعرّي، وسيلفيا بلاث، والشاعر الراحل حلمي سالم. تحب روح بسام حجار وجرأة أنسي الحاج. تدلل وتحب شعر محمود قرني، وعاطف عبد العزيز، وإيمان مرسال، وعماد فؤاد، وابراهيم داوود، وعلاء خالد، وبعضاً من شِعر أحمد يماني وغادة خليفة وخالد السنديوني وابراهيم بجلاتي من مصر. تستمتع نبيل بشعر السوري منذر المصري، والأردني أمجد ناصر والتونسي منصف غاشم والعراقي عبود الجابري والبحريني مهدي سلمان والسعودي حمد الفقيه. كما ترى أن المشهد العربي، لناحية قصيدة النثر، مزدحم. فالدخلاء عطلوا تواصل هذه القصيدة وحصولها على المشروعية والشعبية.
increase حجم الخط decrease