- كيف تقارن بين زمن النيغاتيف وزمن الديجتال؟
* يقول المثل الشعبي: كل جديد وله رهجة وكل قديم وله دفشة. قد ينطبق القول على كل الديجتال. لكن، الجديد لا يمكن ان يلغي القديم لأنه ولد من رحمه. كما لم يستطيع النيغاتيف ان يلغي اللوحات الفني، فالديجتال لن يكون بمقدوره القضاء على النيغاتيف.
- هل تشعر أن فن التصوير فَقَد هالته في هذه المرحلة في مرحلة رواج الهواتف النقالة؟
* لا يمكن المقارنة بينهما من حيث قدرة المصوّر الفنان والتقاطه الصورة التي تأخذ حيزاً كبيراً من التركيز والتحضير والحذر..الخ. أما زمان الهواتف "هات إيدك واعطيني الكاميرا"، لا شيء يفعله المرء بالهاتف النقال سوى الضغط على الزر وتجميع الصور.
- كيف تصف علاقتك بالتصوير خلال مرحلة الحرب الأهلية، وهل الحرب والخراب يمارسان غواية في التصوير؟ أي اللحظات في زمن التصوير تتذكرها؟
* هذا سؤال بحاجة الى السرد كثيراً لما فيه من مواضيع متداخلة ومتقاربة ومتشابكة.
في زمن الحرب الاهليه اللبنانية وكافة الحروب، يصاب المصوّر بحالة من الجمود، فهو يعيش في حالة من "الوعي الواقعي" الذي يريد منه اتمام العمل والسبق الاعلامي، فيسرع الى الحدث غير آبه بما سيقع، بل بما يدور حوله ومن دون حذر. لكن في الوعي الانساني، وهذا يأتي لاحقاً، يصاب هو أولاً بالصدمة على ما ارتكبت يديه وعلى ما بدر منه.
ما اتذكره من زمن الحرب، لحظات عشت فيها حالات الحزن والغضب. الحدث الأول في 17 أيار/مايو 1978 راشيا الفخار، حيث ارتكب العدو الاسرائيلي مجزرته امام الكنيسة وقد صورت بكاميرتي اجساد الشيوخ والنساء والاطفال أمام كنيسه البلدة واطلق الجيش الاسرائيلي النار لمنعي من الاقتراب. يومها خطر في بالي انه "سَبق"، لكني ما زلت إلى اليوم اتذكر ما شهدته بأم العين وما قاله مسعود جرادي في حوار له عن هول الفاجعة.
الحدث الثاني: خلال "حرب عو، عندما انهمرت القذائف على قرى وطرقات قضاء بعلبك وكنت أبحث عنها وأين سقطت، وعند مفرق بلدة حزين، أخبرني احد الصبية ان قذيفة سقطت قرب احد المنازل، فأسرعت أبحث عما خلفته من خراب، ولم أجد سوى شجرة قد هشمت أغصانها وتحتها طنجرة للطهو لا تزال نار الموقد تحتها، وقطع من اللحم البشري هنا وهناك وشرشف ابيض عليه دماء، رفعته فلم اجد من جثة المرأة سوى فكّيها وبقايا من الشفاه. في لحظة أسى صورتها. ونشرت الصورة في الصفحة الاولى من جريدة "النداء" الشيوعية. هذه الحالة، شاهدت مثلها إبان أحداث ثورة 1958 عندما سقطت قذيفة اطلقها الجيش من النقطة الرابعة على بعلبك، وأصيبت بسببها امرأة من آل شرف الدين في حي الشيقان بعلبك. هي مجزرة الصراع على السلطة التي ما زالت هي هي. اما الأهم فهي مجموعة من صور الوالدة في لحظات وداعها الأخير، هي وصورها في الأرشيف والذاكرة.
- وانت تمشي في الشارع أو في سهرة أو في أي مكان، هل تنظر إلى الأشياء دائماً بعين من يريد التقاط صورة؟
* في كل مكان، أرى صوراً ومشاهد أقول لا بد من التقاطها.
- في أي خانة من التصوير تضع نفسك، هل انت مصوّر سياحي أم حربي ام أجتماعي؟
*كنت في ما مضي، وكافة المراسلين الصحافيين، نلاحق الحدث الإعلامي. سياحي أو حربي أو اجتماعي، في الأفراح والأتراح نصور. هي المهنة ولقمة العيش.
- هل تتذكر لحظة التقاط صور ملكة جمال الكون جورجينا رزق، ماذا يعني لك ذلك المشهد؟
* يعني الكثير، فبعلبك وتاريخها لا يبحثان عن المشاهير بل إن المشاهير يبحثون عن بعلبك ليشتهروا من خلال زيارتها او الوقوف على اطلالها. وكانت جورجينا رزق احدى المحطات في تاريخ بعلبك.
- ما رأيك بوصف أحد الصحف البريطانية أن صورك "لحظة لبنانية مجمدة"؟
* القول الأصح: الصورة تضع الماضي امام عين الحاضر. فالجمود حالة مؤقتة وتنتهي، والصدفة كثيراً ما تلعب دوراً في كشف المستور، وهذا ما حصل مع أرشيفي.
- ماذا سيتضمن كتابك الذي تعدّه للنشر في لندن؟
* الكتاب من إعداد أستاذة التصوير، الفنانة الصديقة آنا دبروفسكا. أما الصور في متنه فمتنوعة تربط الماضي بالحاضر وتبحث عن المستقبل. ومن أرشيفي الذي يتطور ويتكاثر يوماً بعد يوم بدعم من الأصدقاء وقسم منه مفقود. ولندع ما تبقى إلى ما بعد الطبع.
- كلمة أخيرة؟
* في رأيي أن الصورة لها الدور الأكبر في التأريخ للحدث وهي معبّرة أكثر من السرد التاريخي رغم أهميته. الصورة تقول ما لا يستطيع المؤرخ قوله. ونحن نعتمد على الوصف التاريخي والأثري لما تركه الأقدمون من آثار نحت وغيره وهي الصورة الأولى التي أرّخنا من خلالها.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها