الجمعة 2015/08/14

آخر تحديث: 16:03 (بيروت)

"مذبحة رابعة".. من التأثير الميداني إلي التدويل الإنساني

الجمعة 2015/08/14
"مذبحة رابعة".. من التأثير الميداني إلي التدويل الإنساني
مشروع الانقسام الذي أسسه السيسي بشيطنة المعتصمين من أجل استباحة إنسانيتهم (إنترنت - أرشيف)
increase حجم الخط decrease

"لا صوت يعلو فوق صوت المذبحة"، شعار سيطر على لسان حال المشهد المصري في الذكرى الثانية لفض اعتصامي رابعة والنهضة، فرضه حال الدولة والمجتمع المصري بعد عامين على هذه الذكرى التي راح ضحيتها من قتلى ومصابين ومعتقلين ومشردين بالآلاف.
مدة عامين، كانت كافية لانعكاس تأثيرات مشروع عبدالفتاح السيسي بالرغبة في الإستيلاء على السلطة والسيطرة على المجتمع على أرض الواقع، بعدما تجلت ملامحه بوضوح عقب "المذبحة".

دفعت تأثيرات مشروع السيسي قطاعات واسعة من أطياف مختلفة لمراجعة نفسها، والاعتراف بخطيئة السكوت على عدم رفع الصوت ضد ما جرى، فالتأثيرات العملية والميدانية للفض كانت كفيلة بأن تختلف الذكرى الثانية عن الذكرى الأولى من حيث الزخم، ومن حيث الإقرار بأن المستهدفين لم يكونوا الإخوان، أو الإسلاميين بمفردهم، بل كان الهدف هو التتويج لمشروع الثورة المضادة وفي القلب منه مشروع عبدالفتاح السيسي.

اكتشف الكثيرون أن الإستيلاء على السلطة والتحالف مع النظام العسكري وقبول قتل المختلف معهم سياسياً، أدى بكثير من شباب الإسلاميين المعتدلين وغيرهم للكفر بالديموقراطية، إلى جانب انتشار جماعات العنف والإرهاب، متكئة على المظالم التي طغت في مصر.

اقتصادياً، عرف الناس أن جذب الاستثمارات المستقرة لا يأتي عبر وجود الدبابة في الشارع، وأن مشروع السيسي القائم على توسع القوات المسلحة في الأنشطة الاقتصادية خارج مهامها وفرض التقشف على الناس، والزيادة في الإعتماد على المعونات من دول الخليج، والإستدانة، لم يؤدِ إلا إلى إغلاق الشركات أبوابها، حتى أصبح الترويج لمشروعات عديمة الجدوى اقتصاديا أو الاعتماد على التقشف هو سلاح السيسي، الذي لم ينجح في تطويع رجال مبارك الاقتصاديين.


في المجتمع، فهم الناس أن مشروع الانقسام الذي أسسه السيسي بشيطنة المعتصمين من أجل استباحة إنسانيتهم، بما أدى إلى تبرير قتلهم من قبل قطاعات كبيرة في المجتمع بما فيها تيارات مدنية رفعت مبادئ حقوق الإنسان شعارا لها، أدى إلى انقسام أخذ طابعاً دموياً وكيدياً، كان المجتمع فيه كجزر منعزلة تتطاحن وتستبيح بعضها، بشكل جعل الهستريا هي الأصل في طباع الناس، فكان علاج هذا الشرخ من المعجزات التي لا يعلم أحد متى تتحقق.


إلي جانب ما جرى من تأثير في المجتمع المصري، فإن أثراً آخر يبدو أن المذبحة دفعت في اتجاهه، وهو الأثر الدولي، لكن ذلك الأثر لم يكن بالقدر الذي حصل في مصر، خاصة لدى الدول التي تجمعها علاقات جيدة مع مصر. فلم يكن التفاعل مع القضية إلا فترة مؤقتة سرعان ما تلاشت بفعل مصالح الأنظمة.

هذا الأمر دفع حقوقيين مصريين وعدداً ممن شهدوا فض الاعتصامين ونجحوا في الخروج من مصر مع ذوي بعض القتلى أو المعتقلين آنذاك، يعاونهم في ذلك أفراد ومجموعات من كندا وأميركا وأوروبا، على إنشاء مؤسسة ناطقة بالإنجليزية أطلقوا عليها "قصة رابعة" تعنى بالتعريف بالقضية إنسانياً، وفقاً لمدير العلاقات العامة بالمؤسسة وليد يسري.

يسري لفت لـ"المدن" إلى أن الغرض من الفكرة هو"قطع الطريق على النظام في تشويه صورة الإعتصام وتبرير فضه بهذه الطريقة، وكذلك لفت نظر الشعوب الأوروبية والغربية، وبقية المجتمع الدولي لحجم المذبحة، للضغط على الحكومات بفاعلية لمحاصرة النظام المصري من أجل محاسبة المسؤولين عن المذبحة".

وبين يسري أن الآليات الرئيسية التي تعتمدها المؤسسة هي توثيق وسرد ذكريات الفض من أصحابها الأصليين، مع استخدام آليات وتقنيات إحترافية في ذلك، تركز على الجانب الإنساني للقضية لكسب أنصار لها بعيداً عن الشق السياسي.

المؤسسة لم يقتصر دورها في توثيق وسرد أحداث "الفض"، لكنها اتخذت خطوات أبعد من ذلك، من بينها خطاب أرسلته إلى الأمين العام للأمم المتحدة بالإشتراك مع ما يسمى بـ"الإئتلاف العالمي للمصريين بالخارج"، مطالبين إياه الإعتراف بأن ما جرى يوم الفض هو "مذبحة"، وأن تشكل الأمم المتحدة لجنة تحقيق بغرض توثيق هذا الإثبات ومن ثم تقديم المسؤولين عنه إلى المحاكمة. 


ويجادل يسري بأن هذه الخطوة ليست سياسية بقوله إن"المؤسسة لا تتهم أحداً بعينه، بل تطالب في فتح تحقيق بإشراف الأمين العام للأمم المتحدة لتحديد المتهمين، ومن ثم فنحن ملتزمون بعدم توجيه القضية إلى منحى سياسي مسبق من جانبنا".

لكن يبدو أن هذه الخطوة، على ما فيها من تركيز على أبعاد إنسانية، ومخاطبة للغرب بطريقته ولغته وأدواته، إلا أنها تحمل في طياتها بعض الإشارات المستقبلية ذات الدلالة، فخطوة كهذه من المؤسسة التي يؤكد يسري أنها ليست "إخوانية"، هي في نهاية الأمر خطوة دولية تتجاوز المؤسسات المجتمعية، ومعنى الإستجابة إليها أن تُنقل القضية إلى طور آخر من الصراع، يدفعه فعلياً إلى مستوى دولي يتجاوز حدود مصر وتوازنات الدول العربية المتعلقة بها. ثانياً، إن "الإئتلاف العالمي للمصريين بالخارج" ليس بعيد الصلة كلياً عن جماعة الإخوان المسلمين أو المتعاطفين معها، لذا فإن التعاون مع الإئتلاف لن يُبعد جماعة الإخوان عن المشهد كلياً، خاصة مع ترحيبها بهكذا خطوات بما يفتح الباب للحديث عن إحتمالات تحول "التدويل الإنساني" إلى "تدويل سياسي"، في حال لم تكن هناك رؤية واضحة لضبط العلاقة بين ربط مطالب المعتصمين السياسية التي أوجدتهم في الميدانين المستهدفين، وبين طريقة الفض التي أدت إلى قتلهم والتنكيل بهم على هذا النحو.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها