الجمعة 2015/11/27

آخر تحديث: 14:03 (بيروت)

انقلاب البابا تواضروس.. استحقاقات السياسة تلوث الدين

الجمعة 2015/11/27
انقلاب البابا تواضروس.. استحقاقات السياسة تلوث الدين
زيارة تواضروس إلى القدس طرحت تساؤلات حول صلاحيات البابا في مخالفة قرارات المجمع المقدس منفرداً (انترنت)
increase حجم الخط decrease

جاءت زيارة بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية تواضروس الثاني إلى القدس، لحضور جنازة الأنبا أبراهام الأورشليمي، مطران القدس والشرق الأدنى، لتمثل تحولاً وإنقلاباً على موقف قيادات الكنيسة الأرثوذكسية المصرية خلال 40 عاماً، بعدما رفض البابا كريلس السادس، إبان عهد عبد الناصر، السفر إلى القدس وهي واقعة تحت الإحتلال الإسرئيلي بعد 5 يوينو/حزيران عام 1967، وكذلك موقف البابا شنودة والمجمع المقدس بتحريم الزيارة إلى القدس للتبرك أو الحج وهي واقعة تحت الإحتلال، في مارس/آذار 1980، وذلك بعد رفضه السفر مع الرئيس الأسبق أنور السادات إلى تل أبيب عقب توقيع معاهدة كامب ديفيد.

تلك القرارات ظلت صامدة عشرات السنين، لم يكسرها أي من الباباوين السابقين، حتى عند تنصيب الأنبا أبراهام نفسه، حيث أرسل البابا شنودة وفداً كنسيا لإجراءات التنصيب من دون أن يسافر هو، فيما عاقبت الكنيسة من سافر من رعايها للتبرك أو الحج.


زيارة تواضروس أثارت جدلاً كبيراً،دفعت المتحدث الرسمي باسم الكنيسة الأرثوذكسية، القس بولس حليم إلى تبريرها والقول إنه "لا علاقة لها بأي أجندة سياسية وإنما تأتي لأسباب دينية وروحية"، متابعاً بأن "موقف الكنيسة لا يزال كما هو، ولم يتغير، وهو أنه لا سفر إلى القدس بدون جميع أشقائنا المصريين (المسلمين)"، فيما أشار إلى أن "ترتيبات سفر البابا وطريقة وصوله إلى القدس قامت بها الدولة المصرية وليس الكنيسة".


لكن رغم هذه التبريرات وغيرها، وبحكم الدور الكبير للكنيسة المصرية في تشكيل الوعي الجمعي لملايين المصريين، وانخراطها في العملية السياسية المصرية منذ قبولها المشاركة في المشهد السياسي بشكل فاعل ومباشر في إجراءات 3 يوليو/تموز 2013، وتصدر رأس الكنيسة في الدفاع عن النظام المصري وتبرير إنتهاكاته المستمرة لحقوق الإنسان في تصريحات شهيرة للبابا توضراوس، فإن هذا جعل التدقيق السياسي في ثنايا المشهد أمراً واجباً وسياقاً طبيعياً لفهم طبيعة الأمور في الربط بين ما هو ديني وما هو سياسي في نظام ما بعد 3 يوليو/تموز، ليس على مستوى التحالفات الداخلية فقط ولكن على مستوى التحالفات الإقليمية.


زيارة تواضروس تأتي في مناخ سياسي يشهد أوج التقارب والتنسيق بين مصر ودولة الإحتلال منذ توقيع اتفاقية السلام بين الجانبين. وتعد إسرائيل الطرف الأقرب للنظام المصري على مستوى الحلفاء الدوليين والإقليميين، حيث تعتمد عليها القاهرة في أي ضغوط في التفاوض مع الغرب، وخاصة الولايات المتحدة، ومن ثم فإن زيارة كتلك تسعد وترضي الجانب الإسرائيلي وتعد انتصاراً له في معركة فرض حصار المقاطعة الشعبية والأهلية داخل مصر، لاسيما أن تواضروس هو أحد حلفاء السيسي العلنيين منذ عزل الرئيس محمد مرسي.


وعلى الرغم من أن تحولات الكنيسة السياسية بعد 3 يوليو/تموز كانت كثيرة على المستويين، الحقوقي والسياسي، ومثلت إنقلاباً على ثوابت حاول أن يرسيها البابا شنودة بعزل الكنيسة عن الاشتباك مع محيطها العام بدرجة أكثر اتساعاً من مصالح الكنيسة، ومحاولة بسط المزيد من النفوذ الاجتماعي والروحي على أتباعها، في مقابل تأييده لرأس النظام السياسي في المناسبات المهمة أو الفارقة، على أن تحتمي بالليبراليين والمدافعين عن حقوق الإنسان في ما يخص الاشتباك الاجتماعي أو الحقوقي. إلا أن هذه الزيارة مثلت إنقلاباً على واحدة من أهم ثوابت الكنيسة القبطية التي لم يتنازل عنها البابا شنودة الثالث، لا في عهد السادات، ولا في عهد مبارك، ما يطرح تساؤلات عديدة أبرزها حول صلاحيات البابا في مخالفة قرارات المجمع المقدس منفرداً، الذي يعد الهيئة الأعلى داخل الكنيسة المصرية وصاحب السلطة التشريعية العليا بداخلها، وفي أمر رعوي كان يمكن أن يتغلب عليه بإرسال لجنة إدارية إذا استلزم الأمر.


وفي المقابل، زيارة توضراوس لم تكن الزيارة الوحيدة لقيادة دينية في مصر. مفتي الجمهورية السابق علي جمعة، والمقرب أيضاً من النظام المصري وأحد حلفائه، كان له موقف مشابه حينما وصل إلى القدس المحتلة عبر الأردن، لزيارة المسجد الأقصى في إبريل/نيسان من العام 2012 إبان حكم المجلس العسكري، وهي الزيارة التي لاقت ضجيجاً كبيراً حولها آنذاك، وبررها جمعة بأنها لدعم المسجد الأقصى.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها