الأحد 2014/08/31

آخر تحديث: 15:38 (بيروت)

أفكار فلسطينية لمرحلة ما بعد حرب غزة

أفكار فلسطينية لمرحلة ما بعد حرب غزة
إما إعلان الدولة الفلسطينية، أو التوجه إلى المنظمات الدولية لملاحقة إسرائيل سياسياً وقضائياً (أ ف ب)
increase حجم الخط decrease
قدمت المقاومة الفلسطينية في غزة مفاجآت كثيرة خلال الحرب الأخيرة على المستوى العسكري والاستخباري والعملياتي، لكن يبدو أن للسلطة "مفاجآتها" كذلك، لكنها مفاجآت سياسية فحسب هذه المرة. أو "صواريخ دبلوماسية" كما وصفها بعض المعلقين في الحكومة الإسرائيلية. المفاجأة التي ستكون "حاسمة"، على صعيد التوصل إلى حل للقضية الفلسطينية، والتي ألمح إليها الرئيس الفلسطيني محمود عباس خلال لقاء متلفز قبل أسبوع، بدأت تتكشف خيوطها شيئاً فشيئاً، رغم عدم الإعلان الرسمي عنها. والحديث يدور عن خطة من ثلاث مراحل، تم بالفعل تداولها داخل أروقة منظمة التحرير، والموافقة عليها في اجتماع القيادة الأخير الذي افتتحه الرئيس بإعلان إنهاء الحرب في غزة. والطريق الذي ستسلكه السلطة خلال الفترة القادمة، سيقود إلى أحدى النتيجتين: إما إعلان الدولة الفلسطينية، أو التوجه إلى المنظمات الدولية لملاحقة إسرائيل سياسياً وقضائياً.

الخطة المنتظر الإعلان الرسمي عنها قريباً، سيجري العمل عليها تحت غطاء جامعة الدول العربية، وتتضمن ثلاث خطوات رئيسية: أولاً، ستطلب السلطة من الولايات المتحدة الأميركية العمل على ترسيم حدود الدولة الفلسطينية المستقبلية خلال فترة زمنية لا تتجاوز الأربعة أشهر، وستقدم إسرائيل كذلك خريطة محددة وواضحة لحدود دولتها. فإذا حظي الأمر بموافقة الطرفين، واعترفت إسرائيل بالدولة الفلسطينية، ستبدأ مفاوضات فورية يجري فيها ترتيب قضايا الحل النهائي، والأمور التفصيلية المتعلقة بها، خلال فترة زمنية محدودة. أما إذا فشل هذا المسعى، فستلجأ السلطة إلى مجلس الأمن الدولي؛ حيث ستتقدم بطلب رسمي لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية. وإذا ما نقض الطلب بالفيتو الأميركي، كما جرت العادة، ستلجأ السلطة إلى الخيار الأخير؛ وهو الإنضمام إلى المنظمات والمعاهدات الدولية، وعلى رأسها المحكمة الجنائية، ومن ثم محاكمة إسرائيل على جرائمها، ومن ضمنها جرائم الحرب الأخيرة على غزة.

في هذا السياق، يقول مصدر مطلع على أجواء المقاطعة لـ"المدن": إن هذه الخطة جرت بلورتها خلال الحرب. ويضيف: "كان الرئيس يدرك أن الانضمام إلى المنظمات الدولية هو الورقة الأخيرة في يده، لذلك ظل متردداً في استخدامها قبل الحرب، الأمر الذي أثار حفيظة الكثير من القيادات داخل منظمة التحرير، وحتى داخل حركة فتح. ولكن بعد اندلاع الحرب، ازدادت الضغوط على الرئيس أبو مازن، ومن شخصيات مقربة منه أيضاً، وهو ما دفعه للمضي في هذا الخيار".

لكن هل تم التراجع عن التوقيع الذي جرى خلال الحرب، على ورقة الانضمام إلى ميثاق روما؟ وهو ما يمهد للانضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية. يجيب المصدر بالقول: "هذه الورقة وقعت عليها الفصائل الفلسطينية، بما فيها حماس، وهي تخول الرئيس أبو مازن التوجه إلى محكمة الجنايات الدولية، وتتضمن بند تحمّل المسؤولية الوطنية والسياسية على هذا القرار. وبعد الإجماع الفصائلي عليها، باشرت الرئاسة بلورة الخطة الأخيرة، وحصلت على التأييد في اجتماع القيادة. الآن ورقة الانضمام إلى محكمة الجنايات الدولية جاهزة ومكتوبة، يبقى فقط التوقيع عليها".

ويبين المصدر أنه خلال فترة الحرب، لم تكن اجتماعات الفصائل، والقيادة الفلسطينية، تقتصر على مناقشة الهدنة والتوصل إلى اتفاق فحسب، بل تضمنت كذلك الحديث عن مرحلة "ما بعد الحرب". وهو الأمر الذي ألمح إليه الرئيس، في خطابه الأخير خلال إعلان انتهاء الحرب، بقوله : "الآن وبعد إعلان وقف القتال ماذا بعد؟ غزة تعرضت لثلاثة حروب، فهل نتوقع حرباً جديدة بعد سنة أو سنتين، وإلى متى ستبقى القضية من دون حل". ويشير المصدر إلى أن الخطة تم عرضها على رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، خالد مشعل، خلال اجتماعه بالرئيس محمود عباس في الدوحة، وحظيت بموافقته. ولعل خطاب مشعل أمام مهرجان الاحتفال بالنصر في العاصمة الأردنية عمان، يشي بهذا التحول، حيث قال: "حماس قدمت نموذجاً جديداً للمقاومة، وهو الجهاد مع الاعتدال، ليحتذي به الشباب من خلال الإرادة القوية، والفكر المعتدل، والوعي السياسي المنفتح".

انتهت إذاً حرب غزة، لتبدأ على إثرها حرب أخرى على المستوى السياسي لا تقل تعقيداً وأهمية. وكل الظروف مؤاتية الآن أمام السلطة لخوض هذه "المعركة الدبلوماسية"، كما يسميها مسؤولوها. حيث يتوفر إجماع فصائلي، ورأي عام عالمي متصاعد ضد إسرائيل بعد الحرب، وانسداد في أفق التسوية. وتبقى الأيام القادمة كفيلة بإثبات مدى جدية السلطة هذه المرة. لكن حالة الركود القائمة، والواقع الراهن بعد تنامي شعبية حماس بعد الحرب، وتراجع شعبية خيار التسوية والعملية السياسية في الشارع الفلسطيني، يجعل من هذا التوجه أمراً لا مناص منه، والانتخابات القادمة، إذا مضت المصالحة كما هو مرسوم، ليست ببعيدة.
increase حجم الخط decrease