الخميس 2015/01/01

آخر تحديث: 16:05 (بيروت)

انضمام السلطة إلى محكمة الجنايات:ورقة ضغط أم مرحلة جديدة؟

انضمام السلطة إلى محكمة الجنايات:ورقة ضغط أم مرحلة جديدة؟
لن تضطر السلطة هذه المرة إلى المرور عبر مجلس الأمن لعرض قضاياها في المحكمة الجنائية الدولية (أ ف ب)
increase حجم الخط decrease

تُسلّم السلطة الفلسطينية الخميس صك الانضمام إلى محكمة الجنايات الدولية للأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، بالإضافة إلى 19 اتفاقية ومعاهدة أخرى وقّع عليها الرئيس الفلسطيني، محمود عباس في الليلة الأخيرة من العام 2014.


رد السلطة على إبطال مشروع القرار الفلسطيني في مجلس الأمن جاء سريعاً. لكنها لم ترم كل أوراقها حتى اللحظة؛ فما زالت تحتفظ بورقة وقف التنسيق الأمني وحل السلطة كخيار أخير، وكما هو معلوم، فإن توقيع السلطة على ميثاق روما الممهد سيمكّنها من تجريم الانتهاكات الإسرائيلية، ومحاسبة قادة ووزراء وجنود إسرائيليين بتهم ارتكاب جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية، وإلى حين يتحقق ذلك عملياً، يبقى توقيع الرئيس الفلسطيني على صك الوثيقة مجرد حبر على ورق.


في الشارع الفلسطيني ثمة من يرى أن الخطوة الفلسطينية تمثّل بداية مرحلة جديدة في الصراع مع الاحتلال، بينما يعتقد آخرون أن هذا الإجراء لا يعدو كونه مجرد وسيلة للضغط والمناورة السياسية، وهذا ما دفع الفصائل الفلسطينية بمجملها إلى الترحيب بهذه الخطوة، بعد إبداء بعض التحفظات. ففي الوقت الذي أيدت فيه الجبهة الشعبية قرار الرئيس، أعلنت مقاطعة اجتماع القيادة الذي انعقد مساء الأربعاء، احتجاجاً على ما وصفته "بتفرد السلطة في اتخاذ القرار"، أما حركة حماس، فقد اعتبرت أن هذه الخطوة في الاتجاه الصحيح، لكن دعت إلى وضعها في إطار برنامج وطني مشترك عبر منظمة التحرير.


انضمام السلطة إلى محكمة الجنايات يمنحها نقاط قوة كثيرة، ورغم ذلك، فإن كل نقاط القوة تلك لن تغير شيئاً على أرض الواقع في القريب العاجل، فهي ربما تحقق مكاسب سياسية، يمكن توظيفها لصالح القضية الفلسطينية على المدى البعيد، فصدور حكم بتجريم وزراء وقادة إسرائيليين بارتكاب جرائم حرب، إن حصل، ربما ينعكس على سمعة إسرائيل، ويزيد من عزلتها في العالم، لكنه على الأغلب لن يؤدي إلى وضعهم خلف القضبان، ولن يوقف الاستيطان، أو ينهي الاحتلال. ولعل قراءة بسيطة في الامتيازات التي ستحصل عليها السلطة من الانضمام إلى ميثاق روما، والسلبيات المترتبة على ذلك، تقود إلى هذا الاستنتاج.


لجهة الامتيازات، لن تضطر السلطة هذه المرة إلى المرور عبر مجلس الأمن لعرض قضاياها في المحكمة الجنائية الدولية، بل ستتمكن من تسليم القضايا بشكل مباشر إلى النائب العام للمحكمة بصفتها عضواً موقعاً على ميثاق روما المؤسس، وعليه ستتمكن السلطة من رفع قضايا ضد قادة إسرائيليين في مسألة بناء الجدار العنصري، وهي قضايا يمكن أن تندرج تحت بند الجرائم ضد الإنسانية، ثاني أخطر الجرائم التي تختص بها المحكمة بعد جريمة الإبادة الجماعية، كما يمكنها رفع قضايا تتعلق بارتكاب جرائم حرب، كاستخدام الأسلحة السامة، كما جرى في غزة، أو عدم تقديم محاكمة عادلة لأسرى الحرب، كما في حالة الاعتقال الإداري، أو تغيير الواقع السكاني والديموغرافي، كما في حالة الاستيطان، وهي القضية الأولى التي قررت السلطة بدء الترافع بها، كما ورد على لسان مسؤول ملف المفاوضات، صائب عريقات الأربعاء.


هنا لا بد من الإشارة إلى نقطة مهمة، وهي أن طلب الانضمام إلى محكمة الجنايات الدولية، ينبغي أن يترافق مع تقديم إعلان موازٍ تحت البند 13/2 من ميثاق المحكمة، وفيه يتم تحديد الحيز الزمني لصلاحية نظر المحكمة في القضايا، إما بعد تاريخ تقديم الطلب، أي عام 2015، أو منذ العام 2002، وهو تاريخ عمل المحكمة، وفي هذا السياق، لم  تعلن السلطة حتى الآن فحوى الإعلان المرافق، فإذا كانت قد حددته بالسنة الحالية، فذلك يعني أن المحكمة لن تنظر في آلاف الجرائم التي ارتكبتها إسرائيل منذ العام 2002، في هذه الحالة، تكون السلطة قد استخدمت هذه الورقة كوسيلة للضغط فحسب، حتى لا تنفذ إسرائيل مزيداً من البناء الاستيطاني، أو الانتهاكات الأخرى.  


في مقابل ذلك، ينطوي القرار الفلسطيني على سلبيات كثيرة، فقبول فلسطين ببنود ميثاق روما يحتّم عليها أولاً تعديل قوانينها لتنسجم من القانون الدولي، والأهم، التعاون مع المحكمة في حال طلبت منها تسليم مسؤولين وقادة فصائل بتهم ارتكاب جرائم حرب، وهو ما قد ينعكس على فصائل المقاومة، وعلى رأسها حماس التي وقعت على وثيقة تؤيد الانضمام إلى المؤسسات الدولية، ولربّما تطال المساءلة مسؤولين في السلطة نفسها، بالنظر إلى تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الذي اعتبر مصالحة السلطة مع حركة حماس مشاركةً في "الجريمة".


ما يزيد الأمر صعوبة هو أن إسرائيل ليست عضواً في المحكمة الجنائية، وبالتالي، لا يُتاح لمحققي المحكمة دخول أراضيها، ولا يتحتّم عليها تسليم مسؤوليها للمساءلة، لذا، فإن أي قرار تصدره المحكمة يتطلب موافقة من مجلس الأمن الدولي تحت البند السابع حتى يكون نافذاً، وهو ما لن يتحقق، وعليه، فإن أقصى ما تستطيع السلطة تحقيقه في هذه الحالة، هو تقييد تنقلات القادة الإسرائيليين المطلوبين للمحكمة، وتوثيق تلك الجرائم دوليّاً، بحكم أن هذا النوع من الجرائم لا يسقط بالتقادم.


عدا عن ذلك، قد تتطلب العملية برمّتها وقتاً طويلاً. بدايةً تستغرق الموافقة على الطلب الفلسطيني ستين يوماً، كما أن الترافع لدى المحكمة يتطلب تشكيل فريق قانوني، وغطاءً عربياً، وهو ما يستغرق وقتاً بالتأكيد، إضافة إلى أن عملية النظر في القضايا تتطلب وقتاً، ففي البداية يجري قاضي المحكمة تحقيقاً أولياً قبل رفع القضية على اللجنة التمهيدية، ومن ثم يباشر عملية التحقيقات الابتدائية، وهنا تستطيع الولايات المتحدة الضغط لتأجيل النظر في الموضوع، ويإمكانها التحرك عبر مجلس الأمن لتأجيل القضية سنة كاملة، وإعادة الكرّة بشكل غير محدود في السنوات المقبلة، وخلال كل ذلك الوقت المبدد، لا شك أن البناء الاستيطاني لن يتوقف، وستواصل آلة الحرب الإسرائيلية انتهاكاتها، وإلى حين ذلك، ربما يصبح الوقت متأخراً على السلطة لاستخدام ورقتها الأخيرة، وحل نفسها.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها