الأربعاء 2022/06/29

آخر تحديث: 13:57 (بيروت)

حماس التي لا تدرك مكانتها

الأربعاء 2022/06/29
حماس التي لا تدرك مكانتها
increase حجم الخط decrease
يدافع أنصار حماس عن الخيارات السياسية للحركة، بسرد ما تعانيه من تحديات، وظروف معقدة، ولذلك فهي تنظم علاقاتها وأولوياتها على أساس ما توفره من فرص وقدرات في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، وأنها تتوقع تفهم الجميع لذلك. على هذا الأساس أقامت حماس علاقاتها القوية مع إيران وذراعها المركزي حزب الله اللبناني، وللأسباب نفسها، وتريد الآن على ما يبدو تطبيع علاقتها مع النظام السوري.
خلال الأسبوع الماضي نال هذا الامر حيزا واسعا من اهتمام الراي العام السوري المعارض، وتعرضت حماس لموجة نقد كبيرة، بعد نشر وكالة رويترز معلومات قالت إنها حصلت عليها من مصدرين في الحركة، وتتضمن قرارا اتخذته حماس بالفعل لاستئناف علاقاتها المقطوعة مع نظام الأسد منذ عشر سنوات.
لم تنف حماسِ تقرير رويترز، وبات من الوارد تكون الحركة تعمدت تسريب هذا الخبر، لقياس ردود الفعل الأولية عليه، لتقوم بإعلانه رسميا بعد، وهي تفترض أن الرأي العام سيكون حينها قد استنزف كل رفضه واعتراضاته ونقده، وأن القرار سيكون في حينه مجرد أمر واقع وسيمر بلا ضجيج كبير.
هذه طريقة نمطية معتادة في تمرير القرارات الصادمة، قد تكون حماس تستخدمها في التطبيع مع نظام الأسد، كما استخدمها المطبعون مع إسرائيل من قبل، وكلاهما يتحججان بالضرورات السياسية والأمنية والإرادة الشعبية، وبالطبع فيتوجب على الآخرين تصديقهم، أو فليذهبوا ويشربوا من البحر. 
لكن المشكلة ليست فقط في المنطق المتماثل بين حماس والمطبعين مع إسرائيل، بل كذلك في تزامن أخشى أن يكون محض مصادفة بين تطبيع أنظمة عربية مع إسرائيل، وقيام الأنظمة ذاتها بالتطبيع من النظام السوري في أوقات متقاربة. يستطيع نشطاء حماس والمؤيدين لمواقفها، مراجعة تواريخ تطبيع الإمارات والبحرين مع كلا الطرفين، وربما سيكون عليهم أن يبحثوا عن الطرق التي تتقاطع فيها الدروب بين إسرائيل وهذا النظام، وهي التقاطعات التي سيكون من الخطر الشديد أن تجد حماس نفسها في وسطها.
في الحقيقة لا أحد من منتقدي الخطوة الحمساوية المحتملة تمكن من فهم ما يمكن أن يقدمه النظام السوري للحركة مقابل هذا التطبيع، فهذا نظام صار رهيناً لإيران وروسيا، ورئيسه منح البلدين كل شيء من سلطته مقابل حماية نظامه، حتى صار أشبه بسجين في قصره، لا يستطيع أن يغير شيئا مما يجري في عاصمته، ناهيك عن بقية سوريا، فلماذا تغامر حماس بمزيد من سمعتها وتطبع مع نظام مرتهن وغير ذي صوت ولا مكانة، إذا كانت الحركة لها علاقات بالأصل مع إيران صاحبة الكلمة الفصل في سوريا، ومن خلالها يمكن أن تراعي مصالحها في سوريا، إن وجدت، ولا أظنها تتعلق باللاجئين الفلسطينيين في مخيم اليرموك مثلا.
مما ظهر من حجج أنصار الحركة والمقربين منها وهم يدافعون عن خطوتها المحتملة، فإن حماس لا تريد ان تعترف أن الأمر برمته هو مجرد عرض دعائي لصالح إيران ولدعم نفوذها المعنوي في المنطقة، ولا أدري إن كانت حماس تعرف أن إيران لا تهتم بمحاولة استقطاب تأييد واعجاب العرب، وبدلا من ذلك فهي تفعل ما ترى فيه كسراً لأنوفهم. إيران لا تهتم بكسب حب العرب بل بخوفهم وهي تستخدم في ذلك أدوات من وسطنا، وشخصياً لا أتمنى أن تصبح حماس من هذه الأدوات.
لكن الأمر يتعدى هذا الهدف، فجرّ حماس للعلاقة مع النظام السوري، سيقضي على صورة الحركة في المحيط الشعبي العربي. ستكون هذه العلاقة أمراً شاذاً بشكل صارخ بين حركة تطرح نفسها انها تحررية تقاتل عدوها الاسرائيلي، تتعامل وتقيم علاقة مع نظام مجرم قتل وهجّر الملايين من أبناء شعبه، وأي شعب؟ الشعب السوري الذي قدم لفلسطين تضحيات جسيمة وغالية منذ عز الدين القسّام وحتى اليوم الذي دافعت فيه الثورة عن فلسطينيي المخيمات الذين بطش بهم النظام، كما بطش بشعبه.
تريد إيران أن تتحول حماس في عيون العرب إلى حركة ناكرة للتاريخ، بلا ظهر ولا سند ولا مشروع، نصيرة للباطل ولنظام مجرم، فتعزلها وتحيطها بالشكوك، حتى تجعلها تخال أن ليس لها من ناصر غير إيران، فيزداد ارتهانها، وتتحول من حركة مقاومة لإسرائيل بالطريقة التي تأسست بها، إلى مجرد أداة في المشروع الإيراني أو ما يسمى (محور المقاومة). 
لا تريد حماس أن تدرك أنها هي من منحت إيران الكثير مما لا تستحق وليس العكس، منحتها الصورة، وشرعية الحديث باسم المقاومة، بل واختراع محور باسمها، يقتل ويهجر ويستبيح باسم المقاومة، فيما تستنزف حماس صورتها وشرعيتها وعمقها وإيمان الناس بفكرتها كما ظهرت على يد مؤسسها الشيخ احمد ياسين، والآن أخشى أنها تتجه لتخسر المزيد من رصيدها الشعبي العربي أو ربما ما تبقى لها منه، حينما تقوم بالتطبيع مع نظام خاسر وفاشل ومجرم وغير شرعي، وسيرحل عاجلا أم آجلا، وهو ما لن ينساه الشعب السوري لها أبدا.
في النهاية المقاومة ليست سلاحا فقط، المقاومة هي فكرة الحرية، وفكرة التحرير، وحينما تقوم حماس بفعل (أي شيء) حتى لو بخيانة الطامحين للحرية والتحرر والتعامل مع قاتلهم، على قاعدة أن الغاية تبرر الوسيلة، فإنها لا تعطي الجميع شرعية التعامل مع إسرائيل فحسب، بل وتتحول إلى مجرد ميليشيا أخرى من تلك التي باتت تغرق منطقتنا وتحكمها بقوانين المافيات وتجار المخدرات. 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها