الثلاثاء 2022/03/29

آخر تحديث: 14:47 (بيروت)

الإمارات واسرائيل.. ملاذان آمنان للأوليغارشيا الروسية

الثلاثاء 2022/03/29
الإمارات واسرائيل.. ملاذان آمنان للأوليغارشيا الروسية
يخوت روسية في موانئ اماراتية (غيتي)
increase حجم الخط decrease
تسببت الحرب الروسية على أوكرانيا في تهجير ملايين الأوكرانيين داخل وخارج بلادهم. لم يتعرض العاديون من المواطنين الروس إلى تجربة مماثلة.. لكن كبار الأثرياء منهم وجدوا أموالهم في مهب الريح. لمرة نادرة يصير الثراء وبالاً على اصحابه. فجأة رأى أصحاب الطائرات الخاصة، واليخوت الفاخرة من أبناء الإتحاد الروسي أنفسهم ملزمين بالفرار حماية لثراوتهم الطائلة.. وفجأة أيضاً، استعاد مصطلح "الأوليغارشية" وقعه الثقيل على الأسماع.

لعنة الحاكم
لم تكن الخيارات واسعة أمام مليارديرات روسيا المحيطين بسيد الكرملين فلاديمير بوتين. لطالما كانت الصلة بالحاكم نعمة تستدر الكثير من النعم المتناسلة منها.. لكنها، في لحظات تاريخية مباغتة، تصير نقمة تستدعي التحوط من مفاعيلها ونتائجها.. لحظات حرجة تضيق خلالها الأرض بأهلها، ويتحول المال إلى عبء على صاحبه.

في اللحظات التالية لفتح ملف العقوبات بحق روسيا، وحاكمها وطليعتها السياسية، ونخبتها الإقتصادية، شرع أصدقاء القيصر، من ذوي الثروات المدججة بالأرقام الكبيرة، في البحث عن ملاذ لحساباتهم المصرفية المشتتة في شتى أنحاء المصارف العالمية، لم يتركوا وسيلة للإنقاذ دون استخدامها، حتى العملات الرقمية المفتقدة للأمان، وهو أول وأكثر ما تنشده الثروات عادة، كانت بين الخيارات المعتمدة.

إعصار جارف
لم تكن المرة الأولى التي يبحث فيها الأثرياء عن أمكنة دافئة لرساميلهم، اعتادوا سابقاً على دول مشهود لها في هذا المجال، مثل سويسرا وموناكو، ومثيلات لها. لكن العقوبات الأميركية، المزخمة بالكثير من الرغبة الجامحة في تهشيم العملاق الروسي، بدت أشبه بإعصار جارف تقتضي الحكمة تفاديه بأي ثمن.. هكذا صارت كل من الإمارات العربية المتحدة واسرائيل بمثابة خيارين تقتضيهما الضرورة، متاحين وحدهما أمام الأوليغارشيا الروسية المثقلة بأموال مجهولة المصادر، ومستعصية على التبرير. والأهم أنها عائدة إلى أشخاص يرتبطون بعلاقات وثيقة مع الرئيس الروسي الذي أصبحت الصلة به وحدها كافية لإدانة صاحبها.

العقوبات الروسية
لا تقتصر المسألة على الأثرياء الروس وحدهم، ثمة حفنة من رجال الأعمال الأجانب يقدر عددهم بالآلاف تورطوا في استثمارات على امتداد الجغرافيا الروسية، ليجدوا أنفسهم فجاة أمام إجراءات اقتصادية معيقة وصارمة فرضتها عليهم حكومة القيصر في سياق ردها على العقوبات.. هؤلاء أيضاً كان عليهم أن يبتكروا حلولاً لمآزقهم المباغتة.. وقد وجدوا بعض تلك الحلول لدى الدولتين المشار إليهما آنفاً.

اللائحة الرمادية
وفقاً لإحصائية تشرتها صحيفة "نيويورك تايمز" أخيراً، فإن القصور الباذخة، واليخوت الفخمة، والطائرات الخاصة، التي تعود ملكيتها إلى الأثرياء من أصدقاء بوتين بلغت أعدادها أرقاماً قياسية في دبي وأبو ظبي، بين هؤلاء الملياردير الروسي رومان إبراموفيتش، مالك نادي "تشيلسي" الإنجليزي، وهو الذي اقترح الرئيس الأوكراني، فلاديمير زيلنسكي، على الأميركيين اعفاءه من العقوبات لقدرته على لعب دور الوسيط بين روسيا وأوكرانيا. 

ومع أن ستة، على الأقل، من الأثرياء أولئك خاضعون للعقوبات، فإن الإمارات لم تلتزم بتطبيقها. وقد يكون ذلك هو السبب الذي دفع الإدارة الأميركية إلى وضع الإمارات على اللائحة الرمادية في سجل العقوبات المحدد لمدى تعاون الدول.

بين المشمولين بالعقوبات ممن يقيمون في دبي، عضو مجلس الدوما الروسي، ألكسندر بوروداي، وزميله بيغان أغاييف، صاحب إحدى شركات النفط، وأحد أكبر تجار التبغ في بيلاروسيا ألكسي ألكسين، وأندريه سكوتش، عضو الدوما، وأحد كبار العاملين في مجال التعدين، إضافة إلى الملياردير أكادي روتنبرغ.

الجارة روسيا
اسرائيل من جانبها سعت، منذ بداية الحرب، للعب دور الوسيط بين روسيا وأوكرانيا، وهي رفضت إمداد الجيش الأوكراني بأي مساعدة عسكرية. رئيس حكومتها نفتالي بينيت هو أحد الرؤساء النادرين الذين أتيحت لهم فرصة اللقاء مع بوتين في الخامس من مارس/آذار الحالي. في حين أعلن وزير خارجيتها، يائير لبيد، الذي سيكون رئيس الحكومة المقبل وفقاً للتفاهم المبرم بفعل التحالف الإنتخابي، أن روسيا تقع اليوم على حدود اسرائيل، وأنه لا مجال بالتالي لأي توتر بين الدولتين.

هذا الحرص الإسرائيلي على عدم إغضاب موسكو تبلور تساهلاً مع الأثرياء الروس، حيث استقبل مطار بن غوريون ما يزيد على 14 طائرة تعود ملكيتها إلى أصحاب رؤوس الأموال الهاربة من العقوبات، وهم من اليهود الذين يحق لهم الحصول على الجنسية الإسرائيلية بمجرد اتخاذهم قرار العيش في اسرائيل، وذلك استناداً إلى "قانون العودة". 

علاقات راسخة
العامل الأساسي الذي دفع اسرائيل نحو موقفها المرن حيال أصحاب المليارات الروس، تمثل في متانة العلاقات الشخصية والمصلحية التي تربط بين هؤلاء وبين شخصيات نافذة في السلطة الإسرائيلية، من أمثال وزير المالية أفيغدور ليبرمان، ووزير الإسكان زئيف الكين. كما في استثمار أصحاب الرساميل الروسية في العديد من القطاعات الإنتاجية الاسرائيلية، حيث بلغت نسبة مساهمتهم في الناتج المحلي حوالي العشرة بالمائة في العقود الثلاثة الأخيرة.

وقد أثار الإحتضان الإسرائيلي للرساميل الروسية الملاحقة حنق فكتوريا نولاند، وكيلة وزارة الخارجية الأميركية للشؤون السياسية، التي حضت اسرائيل على أن لا تكون "آخر ملجأ للمال الروسي القذر". 

بدوره، وفي كلمته الموجهة إلى الكنيست الإسرائيلي، عبّر الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلنسكي عن سخطه حيال التعاون الذي تبديه المصارف الإسرائيلية مع رجال الأعمال الروس، مطالباً النواب الإسرائيليين بموقف رادع.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها