الخميس 2020/03/12

آخر تحديث: 12:03 (بيروت)

إدلب:تجربة زراعية وغذائية..لم تعد تغطي الكفاف

الخميس 2020/03/12
إدلب:تجربة زراعية وغذائية..لم تعد تغطي الكفاف
© Getty
increase حجم الخط decrease
لا في السلم ولا في الحرب، ولا مع النظام ولا مع حكومات المعارضة، استطاعت إدلب بناء منظمومتها الاقتصادية، برغم ما تتمتع به من مقومات، يتيح لها إرساء إقتصاد مستدام، يؤمن الاكتفاء لمواطنيها. هكذا، يختصر أحد رجال الأعمال السوريين الوضع في تلك المحافظة المنهكة بالحروب المتتالية.

ويعلق بأسى: "بعدما أغفلت حكومات النظام المتتالية المحافظة، وأسقطت من حساباتها برامج الإستفادة من ثرواتها الطبيعية، حلت الثورة وما تلاها من حروب مستمرة لليوم  لتقضي على ما تبقى فيها من خيرات". ويتابع: "بعدما شهدنا في السنوات الأخيرة بعض الإنتعاش الإقتصادي والتجاري، عدنا لنقطة الصفر في الميزان التجاري في الأشهر الأخيرة جراء الحرب الشرسة بين النظام وحلفائه وتركيا وفصائل المعارضة، هذا عدا عن تدني القوة الشرائية لدى السوريين جراء إرتفاع سعر صرف الدولار، وإرتفاع نسبة البطالة".

في زمن السلم، وتحت مظلة النظام، لم تستطع إدلب بما تتمتع به من خيرات وثروة زراعية من فرض أجندتها لتطوير إقتصادها، ولا إستطاعت في زمن الحرب من بناء اقتصاد مستدام مستفيدة من موقعها الإستراتيجي القريب من تركيا التي بدورها بادرت إلى تقديم بعض التسهيلات لتجار إدلب، كالإعفاء الجمركي لأنواع محددة من البضائع، وعبور البضائع الإدلبية إلى بعض الدول الخليجية عبر أراضيها، كما دخول بعض السلع الحيوية لإدلب، من معبري باب الهوى وباب السلام.
إدلب معصرة زيتون
ومن المعروف أن إدلب مشهورة تقليدياً بزيتونها إذ كان فيها أكثر من 14 مليون شجرة زيتون، و183 معصرة زيتون من بينها 173 معصرة حديثة تعمل بالطراد المركزي وتنتج 195 طناً سنوياً من الزيت، عدا عن الأشجار المثمرة والبطاطا والنباتات العطرية كالكمون والسمسم وحبة البركة والكزبرة والعصفر واليانسون، وصناعات كيمائية بسيطة لتصنيع مواد التنظيف، ومعامل لتصنيع الألبان والأجبان والمخللات والمربيات، وتصدر مجمل إنتاجها للداخل السوري والفائض إلى الخليج.

إلا أن حركة التبادل التجاري مع الخليج، وفق الأكاديمي والخبير الإستراتيجي تركي مصطفى "تراجعت بنسبة كبيرة جداً، نظراً لتراجع الإنتاج بسبب الوضع الأمني الذي رتب عليه تراجعاً في إهتمام المزارعين بأراضيهم". ويقول ل"المدن" إن "ما يتيسر إنتاجه في إدلب من خضار وفاكهة يصدرقسم منه  للداخل السوري عبر معبر أبو الزندين بالقرب من جرابلس، ما يعني أن المبادلات التجارية مع النظام عبر تجار تقوم على ما تبقى من مواسم، لقاء تبادل تجاري لمواد غذائية، وبعض أنواع قطع السيارات. أما المبادلات التجارية إستيراداً وتصديراً، فتتم عبر معبري باب الهوى بالقرب من سرمدا وباب السلام بمنطقة أعزاز".

وبحسب مصطفى، فإن إدلب "تستورد راهناً أكثر مما تصدر، لأن إنتاجها تراجع لحدوده الدنيا، وبالكاد يغطي حاجة الأسواق، فيما تستورد مجمل المواد الغذائية، ومواد البناء من اسمنت وحديد ومحروقات من تركيا وبعض الدول عبر باب الهوى". وخلص للإشارة إلى أن إدلب اليوم "بوضع مأزوم إقتصادياً، نظراً لحساسية وضعها، وكبار التجار بالكاد قادرون على الصمود".

لا أرقام أو أحصاءات متوفرة لميزان إدلب التجاري، ولا وجود لأي مؤشر اقتصادي يحدد وضعها الراهن، وجل ما في الأمر ما يتداوله كبار تجارها من أن الوضع صفر، وقطاع الزراعة إلى تقلص.

وفي السياق، يوضح الصحافي الإقتصادي السوري عدنان عبد الرزاق ل"المدن"، أن المساحة الزراعية إلى انحسار جراء ما تعرضت له بنى الزراعة والصناعة التحتية من دمار بسبب الحروب المتتالية في المحافظة ككل، مقابل ازدهار قطاع العقارات والتجارة بمواد البناء مؤخراً، لاسيما بالقرب من المناطق الحدودية مع تركيا، وتحديداً عند نقطة باب الهوى، حيث تشهد المنطقة نوعاً من النهضة العمرانية وترميم المباني المتضررة من القصف.

ويشير عبد الرزاق إلى أن إقتصاد إدلب "محاصر من قبل نظام بشار الأسد من 3 جهات، ما يعني أن الحركة التجارية وترويج المنتجات الإدلبية للداخل السوري شبه متوقفة، فيما تبقى تركيا المنفذ الوحيد للإقتصاد لتصدير ما يُنتج بحده الأدنى واستيراد ما تحتاجه المحافظة ولاسيما مناطق المخيمات من مواد غذائية وسلع ضرورية ".

ويؤكد تاجر المواد الغذائية محروس الخطيب أن الوضع الإقتصادي راهناً "صفر"، لجملة عوامل، يلخصها ل"المدن" بقوله: "عملياً، تشتهر إدلب بزراعتها التقليدية للزيتون والأشجار المثمرة والزراعات العطرية. وكانت تعتبر أهم مصدر لإنتاج زيت الزيتون في سوريا، إذ كانت تبلغ المساحة المزروعة بالزيتون 128554 هكتار بمعدل 14 مليون شجرة زيتون، وكان يتواجد فيها  183 معصرة زيتون، فكك بعضها النظام مؤخراً ودمر ما تبقى منها ، بعدما سيطر على أكثر من 40 في المئة من أراضي المحافظة، وإقتلاع آلياته العسكرية لأشجار الزيتون التي لم يتمكن المزارعون من جني محصولها بسبب الوضع الأمني وإحتماء مئات العائلات المشردة من قراها تحتها".

ويضيف الخطيب "بعدما كنت أصدر عشرات الأطنان من زيت الزيتون لعدد من الدول الخليجية ترانزيت عبر باب الهوى وتركيا، لم أستطع الشهر الفائت تصدير سوى مستوعب واحد لدولة قطر، ولم أستطع إستيراد كمية كافية من المواد الغذائية".  ويعترف: "تراجعت عملياتي التجارية من مئة ألف دولار في الأسبوع إلى 5 ألاف دولار في شباط الفائت بسبب تقدم النظام".

وما يصح على موسم الزيتون، يصح أيضاً على مواسم والبطاطا وباقي الزراعات، بحسب الخطيب الذي لفت إلى أن المساحة الزراعية "انحسرت جداً بسبب الوضع الأمني كما بسبب تمدد مخيمات النزوح على حساب الأراضي الزراعية في مناطق عديدة، وتعذر وصول المزارعين إلى أراضيهم للإهتمام بها وجني محصولهم الذي بقي على الشجر، ما جعلهم أمام وضع مادي مزرٍ".

وفيما فضل أحد المسؤولين عن معبري باب الهوى وباب السلام  عدم مقاربة الحركة التجارية من وإلى إدلب، بما في ذلك التسهيلات الجمركية ودورها في العجلة الإقتصادية، يؤكد تاجر المواد الغذائية أحمد عبد السلام ل"المدن"، أن الوضع الإقتصادي سيئ جداً، إذ تراجعت نسبة مبيعاتنا لتجار المفرق في مدينتي إدلب وسرمدا على نحو دراماتيكي، وتوقفت كلياً بإتجاه الرقة والجزيرة والشام. ويصف الحركة في أسواق المدينة  ب"المتواضعة"، حيث يقتصر شراء المواطنين على الحد الأدنى من المواد الغذائية وبالدين".

ويشير عبد السلام  إلى أن حجم استيراده للمواد الغذائية "تراجع من 500 ألف دولار أسبوعياً إلى 45 ألفاً شهرياً، لأن نسبة المبيع لا تتخطى ال5 في المئة، وذلك تاثراً بالوضع الأمني والنزوح وتدهور قدرة المواطن الشرائية".
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها