السبت 2020/02/29

آخر تحديث: 14:13 (بيروت)

رحلة اللاجئين من إسطنبول لليونان..أول الغيث وآخره في أدرنة!

السبت 2020/02/29
رحلة اللاجئين من إسطنبول لليونان..أول الغيث وآخره في أدرنة!
© Getty
increase حجم الخط decrease
وكأن المشهد الخارج من منطقة أدرنة التركية يوحي بفيلم هوليودي طويل. مئات اللاجئين السوريين والمغاربة والليبيين والأفغان والإيرانيين، نساء ورجال وشباب وأطفال، بأجساد هزيلة ومتعبة، يسيرون بخطى متسارعة على ضفة نهر ماريتزا، غير أبهين بالبرد القارص وزخات المطر والوحول التي تثقل تقدمهم. كل همهم بلوغ اليونان، ومنها الجانب الأوروبي، برغم كل المصاعب التي تعترض هجرتهم الجديدة.

المشهد واكبته "المدن" ليل الجمعة/السبت. في الصورة الحية، نساء وأطفال ورجال وشباب يحملون على أكتافهم الأطفال وحقائب الظهر واليدوية، يسيرون بغير هدى على ضفة نهر ماريتزا الضيق بإتجاه جسر صغير لم يلح بعد، يؤمن لهم الإنتقال إلى الضفة اليونانية.

إعلان تركيا قرارها بعدم منع اللاجئين السوريين من الوصول الى أوروبا براً وبحراً،  وإصدارها أوامر لقوات الشرطة وخفر السواحل وأمن الحدود التركية بعدم إعتراض أي تدفق محتمل للاجئين السوريين، دفع بعدد كبير من اللاجئين السوريين والأفغان والليبيين والإيرانيين إلى التوجه منذ صباح الجمعة إلى نقاط تجمع باصات وضعت بتصرفهم  في إسطنبول، لنقلهم إلى منطقة أدرنة الحدودية مع اليونان، للإنطلاق سيراً على الأقدام نحو اليونان ومنها إلى بلدان أوروبية.

بدت قوافل اللاجئين وكأنها تدور في حلقة مفرغة على أرض موحلة، لاسيما ليلاً حيث لا ضوء يرافقهم سوى ضوء القمر من خلف غيوم تكدست في سماء المنطقة. يدورون حول أنفسهم وسط تأفف مجموعة من الشبان الذين يحاولون إستكشاف طريقهم بإتجاه أول نقطة يونانية عبر خدمة ال"GPS"، ليكتشفوا ان عليهم عبور النهر بقوارب مطاطية غير متوفرة معهم. لكنهم، برغم كل التحديات، رفضوا الرضوخ لتلك المشاكل التقنية، وباشروا إتصالاتهم لتأمينها لإكمال طريقهم .
لاجئون على الحدود اليونانية التركية (Getty)
ولم يخفِ عدد من اللاجئين ممن تحدثوا ل"المدن"، أنهم لم يتوقعوا مواجهة صعوبات برحلتهم هذه لإعتقادهم أنهم يسلكون حدوداً برية، ففوجئوا بوجود نهرين اثنين، الأول في الأراضي التركية والثاني في الأراضي اليونانية، الأمر الذي أقلقهم وزاد من خوفهم، إلا أنهم مصممون على خوض المخاطر مهما كان نوعها. لكن المشكلة بدت لهم أكبر مما توقعوا.

عبد الكريم من مدينة منبج في ريف حلب الشرقي، واحد من مئات اللاجئين السوريين الذين قرروا خوض هذه المغامرة. فلا التعب سرق منه قوته ولا الطقس البارد والماطر. كل همه بلوغ نقطة اللاعودة إلى حيث عرف التهجير والذل وعدم الإستقرار الذي خبره لسنوات بين الشمال السوري وتركيا، وفق ما قال ل"المدن". وتابع: "بعدما ضاقت بي سبل الحياة إثر الهجرات المتكررة داخل سوريا ومن ثم في تركيا، أخذت وزوجتي قرار التوجه إلى أوروبا ما ان سمعت بالقرار التركي".

وأضاف عبد الكريم "كنا أول الواصلين صباح الجمعة إلى نقطة الفاتح بمدينة إسطنبول، وانتقلنا وعدد كبير من أبناء بلدي على متن باص إلى منطقة أدرنة الحدودية، لننطلق بمغامرة البحث عن حياة كريمة ومستقبل أفضل ببلد يحترمنا، بعدما أضعت وطني. أدرك أني ساسير عشرات الكيلومترات، محفوفة بالمخاطر الطبيعية، لكني آمل بعبور شط الأمان ".

ومن بين المتجهين إلى أوروبا ابن مدينة دمشق أحمد الذي قال ل" المدن": "شكل القرار التركي هدية لي، لأني كنت أتحين الفرصة لملاقاة أهلي في ألمانيا، ولمتابعة تحصيل تعليمي الجامعي، بعدما تعذر علي ذلك في تركيا وقبلها في جامعة إدلب غير المعترف بها".

وأضاف "تعبت من حياتي في تركيا، حيث كان علي العمل لتوفير المال لإيجار البيت والجامعة. قرار تركيا أعاد لي الأمل، خصوصاً وأن الإتحاد الأوروبي أصدر قانوناً ينص على مساعدة اللاجئ الإنساني والتكفل بمصاريف تعلمه وإيجار بيته. لذا لن أستسلم للمخاطر التي ستعترض طريقي نحو أوروبا، وسأوجه هذه المغامرة بكل قواي".

غير أن اللاجئة السورية أم زاهي اعترفت ل"المدن"، أنها بعد يوم طويل من السير على الأقدام مع أولادها "تعبنا، ولا نعرف ما إذا كنا سنبلغ الشطر اليوناني". وتابعت: "لا أعرف ما إذا ساكمل الطريق أم أعود، لأنه علينا إجتياز نهرين وليس هناك من قوارب".

وروت مراسلة راديو "روزانا" المواكبة لقافلة اللجؤ عند نقطة أدرنة الزميلة ديما السيد ل"المدن"، تفاصيل اليوم الطويل الذي لم ينته، قائلة: "ما أن صرح مسؤول تركي مساء الخميس الفائت عن فتح باب الهجرة مجدداً بإتجاه أوروبا عبر اليونان، تدفق مئات اللاجئين من أبناء سوريا باكراً من صباح الجمعة إلى منطقتي الفاتح وزيتون بورنو في إسطنبول، حيث كان هناك حوالي عشر باصات بانتظارهم، وتولت نقلهم مجاناً عبر معبر إيزابيل إلى أدرنة بعد عبورنا مناطق عديدة".

الطريق إلى أدرنة لم تكن سهلة، برغم كل التسهيلات التي قدمها الجيش التركي للاجئين، لجهة إرشادنا للنقطة الصحيحة، وتوزيع المياه والطعام على الوافدين، وفق السيد التي أوضحت أنه "ما أن وصلتُ واللاجئين إلى أدرنة، عمت حالة من الفوضى والضياع، فلا دليل لمرافقة اللاجئين إلى أخر نقطة تركية حدودية. بدا الأمر وكأن على اللاجئين تدبر أمرهم، وهذا ما حصل، إذ إستعان الشباب بخدمة خرائط غوغل لقيادة قافلة اللاجئين على الطريق الصحيح".

سار اللاجئون لساعات طويلة من الصباح حتى منتصف الليل على الضفة الضيقة لنهر ماريتزا أو ميريتش كما يسميه الأتراك، من دون بلوغهم أخر نقطة تركية. وقالت السيد: "لا يمكن وصف المشهد المحزن لنساء وأطفال أنهكهم التعب من السير تحت المطر والهواء البارد لساعات، وغرق اقدامهم بالوحول والطين. ساد الضياع منتصف الليل بعدما تبين أن هناك جسراً يجب إيجاده للعبور إلى الجانب اليوناني، ولوجود نهر يوناني يجب عبوره بقوارب غير متوفرة".
لاجئون على الحدود اليونانية التركية (Getty)
وبعدما وصفت الوضع بالسيء جراء البرد القارص والمطر أشارت إلى أنه بظل وجود بعض عناصر الجيش التركي في مواقع بعيدة ظهر بعض المهربين الذين بدؤوا بالمطالبة ببعض المال لقاء نقل اللاجئين بالقوارب. وقالت: "اللاجئون عالقون  في منطقة مقطوعة في هذا الليل، ويحاول عدد من الشبان إيجاد الجسر".

مرة جديدة، يسير اللاجئون السوريون على طريق الهجرة، ويواجهون الخطر وإحتمال عدم بلوغهم نهاية مطاف سعيدة لحياة يتوقون أن تكون مستقرة وآمنة. فهل يصلون؟ الأمل موجود لأن تركيا فتحت الباب، يعلق اللاجئون.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها