الجمعة 2019/10/25

آخر تحديث: 14:14 (بيروت)

العراق: هبّة الفجر .. وانقسام حول موقف المرجعية

الجمعة 2019/10/25
العراق: هبّة الفجر .. وانقسام حول موقف المرجعية
Getty ©
increase حجم الخط decrease
بتظاهرات صباحية خالفت التوقعات والتقليد المسائي لموعد خروج التظاهرات التي انطلقت مطلع كانون الأول/أكتوبر، خرجت تظاهرات الجمعة في بغداد بمشاركة الالاف منذ ساعات الفجر الأولى، مطالبة هذه المرة بإسقاط النظام السياسي بعد ان ركزت التظاهرات السابقة على مطالب محددة لتحسين الوضع الاقتصادي في البلاد.

وبعد تظاهرات مسائية محدودة كانت بمثابة احماء لتظاهرات الجمعة، بدت مشاركة انصار زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر فيها تلبية لدعوته واضحة وجلية أكثر مما سبق، خاصة وان غالبية الحاضرين جاؤوا من مناطق مدينة الصدر وبغداد الجديدة والشعلة التي تعتبر من معاقل التيار الرئيسية في بغداد وفق ما رصدته "المدن".

وكما هو متوقع، سرعان ما تحول الهدوء الى مواجهة مباشرة بين القوات الأمنية والمحتجين بعد قيام عدد منهم بإسقاط حواجز اسمنتية وضعت على جسر الجمهورية فوق نهر دجلة والذي يفصل بين ساحة التحرير، مركز تظاهرات بغداد، والمنطقة الخضراء التي تضم مقر الحكومة واغلب وزاراتها فضلاً عن العدد الأكبر من البعثات الدبلوماسية ومن بينها سفارات اميركا وبريطانيا وفرنسا وروسيا وكندا.

وشهدت التظاهرات محاولة المحتجين اقتحام المنطقة الخضراء ما دفع قوات مكافحة الشغب الى التعامل معهم بإطلاق الغاز المسيل للدموع، فضلاً عن ضرب من دخل بالفعل الى المنطقة بالعصي لإجباره على المغادرة. وما بين ضرب وتدافع بين المحتجين نتيجة اعدادهم الكبيرة سقط قتيلان أحدهما كبير في السن، فضلاً عن نحو 70 جريحاً، فيما سجلت مستشفيات العاصمة 110 حالات اختناق وفقاً لأرقام مصادر في وزارة الصحة ومفوضية حقوق الانسان العراقيتين.

هذه التطورات المتسارعة جاءت قبل ساعة تقريباً من خطبة الجمعة في كربلاء، والتي تلا فيها عبد المهدي الكربلائي ممثل المرجع الشيعي الأعلى في العراق علي السيستاني بياناً صادراً عن مكتب المرجع، أطلق جملة من المطالبات والتحذيرات وكرر فيها الخشية من حدوث فوضى في البلاد.

أولى هذه المطالبات بحسب نص البيان هو دعوة المتظاهرين والقوات الأمنية "الى الالتزام التام بسلمية التظاهرات وعدم السماح بانجرارها نحو العنف وأعمال الشغب والتخريب".

وناشد البيان "المشاركين في هذه التظاهرات أن يمتنعوا عن المساس بالعناصر الأمنية والاعتداء عليهم بأيّ شكل من الأشكال رعاية حرمة الأموال العامة والخاصة، وعدم التعرض للمنشآت الحكومية أو لممتلكات المواطنين أو أيّ جهة أخرى".

واحتوى البيان إشارة الى أنباء جرى تناقلها حول حصول حالات استفزاز من قبل محسوبين على المتظاهرين جرَّت الأمور نحو العنف وأوقعت قتلى ومصابين في صفوفهم بالقول "إنّ الاعتداء على عناصر الأمن برميهم بالأحجار أو القناني الحارقة أو غيرها والإضرار بالممتلكات العامة أو الخاصة بالحرق والنهب والتخريب مما لا مسوّغ  له شرعاً ولا قانوناً، يتنافى مع سلمية التظاهرات ويبعّد المتظاهرين عن تحقيق مطالبهم المشروعة ويعرّض الفاعلين للمحاسبة".

وخاطب البيان القوات الأمنية بالإشارة الى ان "التظاهر السلمي بما لا يخلّ بالنظام العام حق كفله الدستور للمواطنين، فعليهم أن يوفّروا الحماية الكاملة للمتظاهرين في الساحات والشوارع المخصصة لحضورهم، ويتفادوا الانجرار إلى الاصطدام بهم".

وحذرت الخطبة من ان "الانجرار نحو العنف يهدد مستقبل العراق الذي يعاني من تعقيدات كثيرة يخشى معها أن ينزلق بالعنف والعنف المقابل الى الفوضى والخراب، ويفسح ذلك المجال لمزيد من التدخل الخارجي".

وأشار البيان الى ان مطالب المحتجين تتحقق بـ"الاصلاح الحقيقي والتغيير المنشود في ادارة البلد بالطرق السلمية عبر الالتزام بمكافحة الفساد وملاحقة الفاسدين واسترجاع أموال الشعب منهم، ورعاية العدالة الاجتماعية في توزيع ثروات البلد بإلغاء أو تعديل بعض القوانين التي تمنح امتيازات كبيرة لكبار المسؤولين واعضاء مجلس النواب ولفئات معينة على حساب سائر أبناء الشعب، واعتماد ضوابط عادلة في التوظيف الحكومي بعيداً عن المحاصصة والمحسوبيات، واتخاذ اجراءات مشددة لحصر السلاح بيد الدولة، والوقوف بحزم امام التدخلات الخارجية في شؤون البلد، وسنّ قانون منصف للانتخابات يعيد ثقة المواطنين بالعملية الانتخابية ويرغّبهم في المشاركة فيها".

من جهة ثانية، علق بيان المرجعية على التقرير الحكومي الخاص بالكشف عن أسباب سقوط أكثر من 140 قتيلاً، فضلاً عما يزيد عن 6 الاف جريح بتظاهرات مطلع الشهر الحالي بالإشارة الى عدم رضاها عن نتائجه وجاء في نصه ان "التقرير المنشور عن نتائج التحقيق  بما شهدته التظاهرات السابقة من اراقة للدماء وتخريب الممتلكات لما لم يحقق الهدف المترقّب منه ولم يكشف عن جميع الحقائق والوقائع بصورة واضحة للرأي العام فمن المهم الآن أن تتشكل هيئة قضائية مستقلة لمتابعة هذا الموضوع وإعلام الجمهور بنتائج تحقيقها بكل مهنية وشفافية".

ومن ساحة التحرير وبقية ساحات التظاهر في مدن وسط وجنوب العراق، تلقى المتظاهرون خطبة المرجعية بردود أفعال متباينة، ما بين متبنٍ لمحتواه ومشدد على وجوب التزام النهج السلمي ومطالبٍ للقوات الأمنية بالتعامل بإنسانية مع المحتجين، وما بين رافض له ومحملٍ للمرجعية الشيعية والقوى السياسية في العراق مسؤولية ما وصل اليه البلد من تدهور اقتصادي فجر انتفاضة تشرين.

وعلى ما يبدو، فإن ما بعد تظاهرات الجمعة، ستكون أياماً حبلى بتطورات اكثر تسارعاً، خاصةً مع إصرار غالبية المتظاهرين على الاعتصام في ساحة التحرير وعدم مغادرتها ومحاولتهم المستمرة الدخول للمنطقة الخضراء، فضلاً عن اشارة القوات الأمنية التي اكدت انها جردت من السلاح بقرار حكومي وحمل العصي فقط، الى انها لم تعط ترخيصاً ببقاء المحتجين وتشدد على وجوب مغادرتهم وعدم السماح بالدخول للمنطقة الخضراء ما يمهد ربما لحدوث مواجهة جديدة. بالإضافة إلى تصاعد دعوات العصيان المدني الشامل كخيار يقول متبنوه انه يحافظ على سلمية التظاهرات ويجبر الحكومة على الاستقالة.

وفي أجواء شديدة الترقب والحذر شعبياً، دفعت الحكومة بمزيد من قواتها لشوارع العاصمة التي قطعت فيها الطرق الرئيسية، وهو ما عزز المخاوف من حدوث تصعيد محتمل يكرر سيناريو تظاهرات مطلع تشرين الأول/أكتوبر.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها