الأحد 2015/09/06

آخر تحديث: 14:41 (بيروت)

إيران و"خاصرتها" السنية الضعيفة

الأحد 2015/09/06
إيران و"خاصرتها" السنية الضعيفة
لم يأتِ تعيين السفير السني من فراغ (إنترنت)
increase حجم الخط decrease

حدث استثنائي وقع في ايران، غيبه الهجوم الذي شنه المرشد علي خامنئي وقائد "الحرس الثوري" الجنرال جعفري على الولايات المتحدة الأميركية. الحدث كان في تعيين إيراني سني سفيراً لإيران. ولا شك ان السفير الجديد في فييتنام وكمبوديا صالح اديبي هو اول إيراني يصل الى هذا الموقع منذ الثورة، وربما منذ الشاه محمد رضا بهلوي. السفير اديبي، من سنندج وكان يشغل موقع رئيس النخب في كردستان وأستاذ جامعي حيث يدرس الأدب الفارسي. وقد عين في فيتنام بدلا من استراليا كما كان متوقعاً، لان فيتنام تضم عدداً مهماً من المسلمين السنة.

لم يأتِ تعيين السفير السني من فراغ. سبق ذلك حادثة تدل على عمق التململ السني في ايران، فقد تجرأ صحافي وسأل الرئيس حسن روحاني لدى زيارته محافظة كردستان ذات الأغلبية السنية: لماذا يخلو مجلس الوزراء من وزير سني؟ ولماذا لا يوجد محافظ واحد سني؟ الرئيس روحاني الذي انفعل جداً، خصوصاً وانه حاول تعيين وزير سني للرياضة ولم ينجح، أجاب الصحافي بغضب شديد: "كلامك مثير للاستغراب والتعجب، لأن الجملة التي استخدمتها كانت سيئة الى درجة لا أستطيع الرد، اي تفرقة تتحدث عنها؟ هل نمنع السنة من الانضمام الى الحكومة؟".


الحادثة الثانية التي لم تترك "للصلح من مكان" كما يقال، هي هدم السلطات الرسمية للمصلى السني الوحيد في طهران، خصوصاً أنه لا يوجد اي مسجد للسنة في العاصمة، رغم أن التقديرات تشير الى وجود حوالى مليون سني في طهران. وبلغ الامر ان الرئيس روحاني أدان عملية الهدم، لكن ذلك لم يغير شيئاً من الوضع. لكن يبدو أن الحادثة فاضت بـ"كأس" الاعتراض والمرارة، فوجه الشيخ عبدالحميد اسماعيل زهي، إمام زاهدان عاصمة بلوشستان المضطربة، كتاباً مفتوحاً الى المرشد خامنئي مباشرة قال فيه: "في ظروف يعج فيه العالم بالافكار المتطرفة والتكفيرية والتفرقة والعنف، لم يكن يتوقع السنة في ايران هدم المصلى الوحيد لهم في طهران. إن خطوة كهذه تفتح مجالاً لأعداء الإسلام ودعاة العنف والتطرف كي يبثوا التفرقة بين المسلمين وروح اليأس بين اطياف السنة". لم يسبق أن تضمن كتاب مفتوح للمرشد خامنئي طوال ٢٥ سنة من السلطة، هذه اللهجة التي تحتوي تهديدات بالعنف والانضمام الى التطرّف. ما يرفع من أهمية هذا الكتاب ان بلوشستان تشهد دائماً نوعاً من حروب العصابات بقيادة "جيش العدل"، كما أنه سبق لنائب الإقليم  حسين علي شهرباري أن قال في نهاية العام الماضي وبعد سلسلة من المواجهات بإن "الأحداث تنذر بسقوط الإقليم بيد داعش".


تعرف القيادة الإيرانية، وربما أدركت أكثر، عمق الأزمة خصوصاً أن السنة يشكلون "الخاصرة" الضعيفة فيها، وأن جغرافيا الأقليات القومية والسنية تشكل "حزاماً" حول ايران ، وهو مفتوح على محيط جغرافي ارتفعت فيه أعمدة اللهب منذ "الربيع العربي"، أو ما تطلق عليه طهران "الصحوة الاسلامية". دراسة خريطة هذه الحالة التي تفتح الأبواب للاختلاط والانخراط بين الداخل والخارج تؤشر الى ذلك.


تختلف الأرقام حول عدد السنة في ايران. السلطات الرسمية تحصرهم تحت سقف العشرة بالمئة، بينما السنة يقولون انهم يشكلون حوالى ٣٠٪ من أصل ٧٣ مليون إيراني، أما التقديرات الموضوعية فتشير الى ١٨٪. الأهم من الرقم هو توزعهم الديموغرافي والجغرافي. ذلك ان التقديرات تقول: إنه في شعب ربعه دون سن ١٥ سنة، فإن ٥١٪ هم من الفرس، و٢٤٪ آذريين، و٧٪ أكراد، و٣٪، من العرب، و٢٪ من البلوش. المشكلة أن مناطق الأقليات هذه تبدو فيها النار الكبرى كامنة او متفجرة. أكثر المناطق خطورة هي بلوشستان حيث يتولى "الحرس" أمن المنطقة مباشرة، لأنه لا يمر أسبوع من دون صدام مسلح. المعروف أن الخطر يكمن في وجود مشروع قومي ينادي بـ"بلوشستان الكبرى"، التي تضم بلوش أفغانستان وهم الأساس، وباكستان. كذلك بالنسبة للأكراد وذلك منذ جمهورية مهاباد عام ١٩٤٦ وبعدها اغتيال الدكتور قاسملو في فيينا، ومؤخراً وقعت معركة بتأثير ما يجري في سوريا وتركيا وسقط خمسة قتلى. أما العرب الذين يعيشون في خوزستان، أو كما يطلق عليها السكان العرب عربستان، فإن الصدامات دائمة والإعدامات كثيرة.


في الفترة الأخيرة، أكثرت السلطات عقد مؤتمرات إسلامية تدعو الى الوحدة السنية الشيعية. وقال المرشد خامنئي في إحداها ان بلاده "تدعم حماس السنية كما تدعم حزب الله الشيعي". لكن ما يجري في سوريا، حيث تدعم ايران النظام الأسدي الاقلوي، والاسد في وجه الأكثرية السنية، وفي اليمن الاقلية الحوثية، والكلام عن "الهلال الشيعي"، يسقط دعوات الوحدة الاسلامية الصادرة من طهران، ويثبت حالة "الفصام" بين الخطاب والواقع الحاصلة بما يتعلق بالازمة المذهبية، التي بدأ الدخان الاسود يتصاعد في ايران من بواباتها، وصولاً الى قلبها في طهران.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها