السبت 2015/08/22

آخر تحديث: 13:41 (بيروت)

"الفصام" يتمدد من واشنطن إلى سوريا

السبت 2015/08/22
"الفصام" يتمدد من واشنطن إلى سوريا
زيبا كلام: حكومة روحاني تشكل عنواناً ضخماً لتعمق "الفصام" بين السلطة والشرائح الشعبية (أ ف ب)
increase حجم الخط decrease
يتعمق "الفصام" السياسي بعد الاتفاق النووي في فيينا. فالمرشد آية الله علي خامنئي، والمتشددون، واقعون في قلب "جاروشة" المعرفة الكاملة، بأنه ليس في وسعهم رفض الاتفاق النووي ومفاعيله الشعبية الإيجابية من جهة، ومن جهة أخرى أن كل يوم يقترب من تنفيذ الاتفاق يُنتج خسارتهم أكثر من نقطة في الداخل، في وقت يتقدم فيه العد العكسي لانتخابات مجلسي النواب والخبراء.

أمام هذا المأزق، وعدم إمكانية صدور تصاريح رافضة للاتفاق من جانب جنرالات "الحرس الثوري" والمتشددين، لجأ المرشد إلى استنهاض الشعور الثوري عبر التأكيد على "رفض النفوذ" الأميركي. قال المرشد : "تصوروا وفق أوهامهم أنهم سيجدون طريقاً عبر الاتفاق للتغلغل في إيران. لن نسمح بالتغلغل الاقتصادي ولا السياسي والثقافي الأميركي". وأضاف خامنئي: "البريطانييون أساتذة في إثارة الخلافات (المذهبية) والأميركيون تلامذتهم".


ميدانياً ماذا حصل ويحصل؟

في طهران رُفع العلم الأميركي لأول مرة منذ الثورة عام 1979، خلال افتتاح وانتهاء مهرجان "فجر السينمائي" في آب/أغسطس 2015 -السينما والمهرجان ليسا عملاً ثقافياً حسب خامنئي.

رئيس المركز الوطني للسجاد الإيراني حميد كاركر أعلن أن "وفداً أميركياً تجارياً سيزور طهران في نهاية كانون الثاني/يناير من العام القادم، أي بعد انتهاء مهلة تنفيذ الاتفاق. الطريف في الإعلان أن الوفد يتشكل من تجار وإعلاميين وباحثين وكتاب أميركيين. طبعاً لم يقل المسؤول، لماذا الوفد يضم إعلاميين وباحثين وكتاب، وهو وفد تجاري متخصص بالسجاد؟. وأخيراً كشف الإعلان: "الأميركيون استوردوا هذا العام سجاداً بمبلغ 80 مليون دولار".

أصبح معروفاً أن العلاقات الديبلوماسية ستعاد بين بريطانيا وإيران، وهكذا سيرتفع العلم البريطاني في طهران. أما أحدث التحولات مع الإنكليز "أساتذة الأميركيين" في بث الخلافات المذهبية الشيعية-السنية، فهي أن وزيرالخارجية البريطاني فيليب هاموند، هو الذي سيتولى فتح السفارة، وربما رفع العلم البريطاني، ومن ثم سيلتقي المسؤولين الإيرانيين الأحد المقبل، ولم يعرف بعد إذا ما كان سيلتقي خامنئي.

تبقى سوريا محور الحركة والخطاب الإيراني؛ من الواضح أن المرشد لن يتخلَ عن سوريا-الأسد مهما كلفته، لأنه يعتقد أن خسارة الأسد خسارة استراتيجة لإيران. بعد الاتفاق النووي وجد خامنئي عبر سوريا مدخلاً للهجوم على أميركا، فاتهمها بمحاولة "تقسيم العراق وسوريا"، وأنه "لن يسمح بذلك".

ميدانياً إيران تتعاون مع أميركا في العراق مهما تم نفي هذا التعاون. ومن طبيعة الوجود المشترك في أرض تعيش حالة حربية، أن تتعاون الأجهزة الأمنية وتنسق فيما بينها ميدانياً، حتى لا يقع أي اشتباك نيران صديقة. فإذا كانت إيران تتعاون مع أميركا ميدانياً، وتعرف أن الأميركيين يريدون تقسيم العراق، فلماذا تصمت على مخططهم وتسمح لهم بتنفيذه؟

ما لا يقوله المرشد يقوله "رجاله"، ومن أبرزهم مستشاره للشؤون الخارجية علي ولايتي، الذي وصف "العلاقات مع سوريا بأنها استراتيجية.. وأن من واجب إيران دعم سوريا، لأن هذه العلاقة هي العمود الفقري لسلسلة العلاقات مع العراق ولبنان وفلسطين ولا معنى للمقاومة بلا هذه العلاقة". أما مستشار القائد العام للقوات المسلحة الإيرانية اللواء يحيى صفوي، الذي كما يبدو قد زار سوريا ولبنان، فيقول: "السوريون يقاتلون منذ خمس سنوات، وقد خسروا 100 ألف قتيل"، أي أنه يشير إلى خسائر النظام، ولا يعترف بخسائر المدنيين والمعارضة التي تصل إلى 200 ألف قتيل، إلى جانب 9 ملايين نازح.

هذا الكلام المبرمج لم يعد يقنع الشرائح المدنية في إيران، والأخطر أن نمو مشاعر عدائية ضد العرب، ترتكز إلى أساطير وخرافات تاريخية تجسدت مؤخراً، في أغنية عنوانها "اقتل عربياً".

المفكر الإصلاحي والأستاذ الجامعي صادق زيبا كلام، أشار إلى أن حكومة روحاني تشكل عنواناً ضخماً لتعمق "الفصام" بين السلطة والشرائح الشعبية وخاصةً المدنية منها. المعروف أن زيبا كلام، قد يكون أجرأ مفكر إيراني، وهو في كل مرة يوجه رسالة إلى السلطات يُحدث هزة قوية جداً، إلى درجة أن النظام الأمني لا يعتقله، حتى لا تقع ردود فعل شعبية واسعة وخطيرة، خاصة في الأوساط الطلابية. في هذه الرسالة التي وزعت مثل النار في الهشيم، في مواقع التواصل الاجتماعي، بعد أن نشرها موقع "خبر أونلاين"، قال زيبا كلام موجهاً كلامه إلى وزير الخارجية جواد ظريف، الذي قام بجولة في العراق ولبنان وسوريا: "لماذا قلنا عن الربيع العربي الصحوة الإسلامية، وفي سوريا اعتبرناها مؤامرة مشبوهة وخطيرة من الاستكبار والصهيونية؟ هل لأن سوريا كانت تسمح لنا بإرسال السلاح إلى حزب الله فجعلنا دمشق محور المقاومة؟". أضاف زيبا كلام: "العلويين يشكلون 12 في المئة، وهم يحكمون الغالبية السنية، وهي 80 بالمئة، بالقهر والقمع. كيف تتوقعون منا أن ندعم هذه الأقلية مقابل الأكثرية، وكيف ستحترمنا النخبة السياسية والثقافية والمفكرين والكتاب إذا اتخذنا هذا الموقف؟". وتابع: "يا معالي الوزير ظريف هل تنكرون قمع النظام السوري للفلسطينيين؟ انظروا إلى أوضاع الفلسطينيين المأساوية في مخيم اليرموك، وقولوا مجدداً إن دمشق محور المقاومة". وأضاف: "لو لم يخاطب الأسد شعبه بلغة الرصاص لما أصبح البلد مسرحاً لداعش وسائر المتطرفين". و"لو دعمنا الحوثيين وهم أقلية لا نعتبر ذلك طائفية، أما إذا دعم الآخرون السنة فنتهمهم بالطائفية. يا سيادة الوزير التفت للمصالح القومية الإيرانية، وأعد النظر في سياستنا الخارجية".

من المبكر جداً أن يتمكن الوزير ظريف، من تغيير سياسة إيران، لأن الرئيس حسن روحاني ما زال ضعيفاً. ويجب انتظار ربيع 2016 لمعرفة ما إذا كانت إيران ستعرف أخيراً الربيع الذي انتزع منها عام 2009.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها