الخميس 2015/12/10

آخر تحديث: 13:54 (بيروت)

ماذا تخبئ الهدنة لحي الوعر الحمصي؟

الخميس 2015/12/10
ماذا تخبئ الهدنة لحي الوعر الحمصي؟
المفاوضان من قبل المعارضة مع النظام، أصبحا موضع أسئلة وشك من قبل أهالي الحي المحاصر (عدسة شاب حمصي)
increase حجم الخط decrease
بدأت صباح الأربعاء، الحافلات الخضراء، بالدخول إلى حي الوعر الحمصي، تنفيذاً لاتفاق الهدنة مجهول البنود، الذي توصل إليه "ممثلون" عن النظام والمعارضة، في حي الوعر الذي تحاصره قوات النظام منذ عامين.

والحافلات الخضراء باتت تعني لأهل حمص، سفر خروج متكرر، فبواسطتها أُخرِجَ مقاتلو المعارضة من حمص القديمة في 21 أيار/مايو 2014. واليوم تبدأ معها رحلة خروج لما يُقارب 750 شخصاً من مدنيين ومصابين وعائلات مقاتلين، ومقاتلين رفضوا الهدنة.

ويعيش المدنيون في حي الوعر حالة صعبة، فهم حتى اللحظة، لا يعلمون تفاصيل الاتفاق، إن كان سيؤدي إلى سيطرة النظام المطلقة على الحي؟ أم سيبقي الوضع الحالي، ويُدفعُ باتجاه إدارة مدنية لاحقاً؟ وهل سيزداد مع الاتفاق نفوذ تجار وسماسرة الحصار؟

وترافق الاتفاق مع نشر إشاعات تُرضي النظام وحواضنه الشعبية، ما أثار الذعر في نفوس قاطني الوعر، من سكّان أصليين ونازحين إليه؛ فيجمعهم تخوّف من مصير غامض. وفي حال أخل النظام بالاتفاق، فلن تكون هذه أول مرة ينكث فيها عهده.

ولكن ما يقلق أهل الحي اليوم أمور أخرى؛ فالاتفاق ينص بحسب ما يُشاع، على إدخال المواد الغذائية وانتهاء حالة الحصار وعودة الحياة التجارية وما يُرافقها من إعادة فتح البقاليات وأسواق الخضار، وإلغاء احتكار الحصص الغذائية وسيطرة أمراء الحرب وسماسرة الحصار. ولكن لا بوادر تنحو في هذا الاتجاه، فما تم إدخاله الأربعاء، لا يزيد عن كونه حصصاً غذائية أساسية تضمنت سكراً وسمناً وزيتاً وطحيناً، وغابت عنها الخضار والمواد المعلبة.

مفاوضو النظام أم المعارضة؟

المفاوضان من قبل المعارضة مع النظام، أصبحا موضع أسئلة وشك من قبل أهالي الحي المحاصر، بعدما انتقلا فجأة من حالة السمسرة والاحتكار للحصص الغذائية الداخلة إلى الحي تحت الحصار، إلى حالة التفاوض مع النظام لعقد اتفاق الهدنة.

ويقوم على عملية التفاوض مع النظام من طرف المعارضة؛ كل من عادل فاعور، مدعوماً من أحد مشايخ حي الخالدية الشيخ حامد عسكر وتياره، وباسل المحمد "أبو عدي" المشكوك بأمره، والمتهم بولائه لأجهزة الأمن السورية، التي سبق واعتقلته لفترة ثم أطلقت سراحه ليتسلم ملف المفاوضات.

"بورصة الوعر"

والحي المُحاصر بات شبه فارغ من السيولة النقدية، التي نجح النظام بالتعاون مع سماسرة الحصار باستنزافها، ما انعكس في غياب التعامل بالليرة السورية نتيجة سحبها بالكامل، وحصر التعامل بالدولار الأميركي، الذي سجّل بدوره انخفاضاً في سعر صرفه مقابل الليرة داخل الحي، بنسبة وصلت في معظم الأوقات إلى 20 في المئة. ويُشبه أهل الوعر ما يحدث في حيّهم، بسوق سوداء للعملات الصعبة، التي يقوم على إدارتها طاقم المفاوضين الحاليين مع النظام، وهم أكثر المستفيدين من حالة الحصار السابقة. وقد تزعم الشيخان حامد عسكر وحوري عثمان، ومن يدور في فلكهم، ولفترة طويلة، حركة التجارة في الوعر المحاصر. وقد سبق أن خرج الأهالي في مظاهرات ضد هؤلاء التجار، فقام مرافقوهم بإطلاق النار على المتظاهرين.

"مافيا الدخان"

بعد اندلاع الثورة السورية وقبل حصار الحي، تصدّر "أبو عمر الحموي"، واجهة تجارة المواد الغذائية، وكان يعمل لحساب السماسرة ويتحكم بكتلة نقدية ضخمة تسمح له ولمن يعمل لحسابهم، في احتكار سوق المواد الغذائية. وأثناء الحصار، ونتيجة للقيود الموضوعة من قبل النظام على دخول المواد الغذائية، انتشرت تجارة التبغ، الذي سجلت أسعاره 15 ضعفاً عن سعره في الخارج. وما كان يثير تساؤل السكان، هو توافر التبغ المستمر وعدم انقطاعه، رغم الحصار الطويل.

وقد تزعّم "مافيا الدخان" في سنوات الحصار، كلٌّ من قائد مجموعة مسلحة من بدو الوعر، مُلقب بـ"حميش" ومقره مقابل المشفى الوطني، وقائد مجموعة "هيئة حماية المدنيين" الملقب بـ"أبو حيدر حاكمي"، وقائد "كتيبة البراء" الملقب بـ" أبو شعلان".

دمار البنية التحتية في الوعر

تقريباً، دُمّر 40 في المئة من حي الوعر، وتزداد نسبة الدمار للبنية التحتية في الجزيرة السابعة والثامنة من الحي، وتخف تدريجياً كلما اتجهنا نحو الجزر الثانية والرابعة والسادسة، وترتفع النسبة في البيوت المواجهة لبساتين الوعر. ما يطرح سؤالاً عن كيفية ترميم هذه البيوت؟ وإذا كان الاتفاق قد تضمن السماح بإدخال مواد البناء؟

المدارس في الحي استمرت بالعمل تحت إشراف النظام؛ كـ"الحسن بن الهيثم" و"أحمد العيسى" و"خولة" و"الخيرية" و"الكندي" و"المعهد الصحي". فالنظام سمح للمعلمين بالدخول والخروج من الحي، يومياً، ولم يتأثر الكثير من مدارس الحي بالقصف والاشتباكات، بشكل كبير. ويمكن القول إن تلك المدارس غطت احتياجات الحي التعليمية، نظراً لانخفاض السكان بنسبة 70 في المئة، بعد خروج الكثير من الأهالي قبل وأثناء الحصار نحو الأحياء الأخرى هرباً من شبح الجوع والموت.

من الناحية الصحية، يعمل مستشفى "البر" بطاقة جزئية، وهو بحاجة لصيانة الكثير من معداته الطبية، كي يعود للعمل بشكل طبيعي. أما المستشفى الحكومي فهو عبارة عن كتلة خرسانية لم تكن قد دخلت الخدمة بعد، قبل الحصار. وقد احتله القناصون منذ بداية الصراع في حي الوعر. في حين أن مشفى التوليد  تحول منذ فترة طويلة إلى مشفى ميداني، وتعرض في أيلول/سبتمبر 2013 لقصف بصاروخ أرض-أرض، ما أدى لتدمير أجزاء واسعة منه.

وتراكمت القمامة في الحي، منذ عامين، واعتاد السكان على حرقها لتجنيب الحي أمراضاً قد تشكل كارثة طبية لا يمكن علاجها. وقد انتشرت القوارض بشكل كبير جداً، وكذلك الحشرات حتى باتت أصعب من حصار قوات النظام وقصفها.

في ما يخص المحروقات، فهي شبه معدومة، منذ بداية الحصار. ولم يعد سكان الحي يستعملون المحروقات منذ أمد بعيد، بعدما وصلت أسعارها إلى قيم خيالية؛ فقد وصل سعر "تنكة" البنزين إلى ما بين 400-500 دولار، والمازوت ما بين 100-120 دولار. وسجلت "تنكة" البنزين المُصنعة محلياً سعراً يصل إلى 150 دولاراً. وفعلياً لم يكن في مقدور أحد شراء تلك المشتقات النفطية باستثناء قادة المجموعات وسماسرة الحصار.

صراع عقائدي على الإغاثة!

يسيطر المشايخ وجماعات إسلامية على القيادة المدنية في الحي، عبر نفوذهم في  "المجلس المحلي" والمنظمات المعنية بالإغاثة واللاجئين، ومصادر الدعم. وخاض "الإخوان المسلمون" صراعاً عقائدياً ضد "حزب التحرير" السلفي، في الحي، للسيطرة على التمثيل الديني. واستخدم هؤلاء أموال الإغاثة للسيطرة على كل ما يمثل الوجه المدني للحي، خاصة وأن 20 في المئة ممن بقي هم من سكان الوعر، والبقية هم نازحون من الأحياء المدمرة كالبياضة وكرم الزيتون والخالدية والنازحين.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها