السبت 2017/04/22

آخر تحديث: 10:12 (بيروت)

مُسرَّح من "الحرس الجمهوري": جوبر عش النمل

السبت 2017/04/22
مُسرَّح من "الحرس الجمهوري": جوبر عش النمل
جوبر لا تنتهي، شيء يستحيل التقدم فيه (انترنت)
increase حجم الخط decrease
سُرّح محمد من خدمة "التجنيد الإلزامي"، مؤخراً، بعدما التحق أخوه الوحيد بالخدمة، فسمحت "قوانين" النظام العسكرية بتسريح الأقدم منهما في "خدمة العلم". ومحمد من قرى الشمال الشرقي السوري، طويل البنية، رشيق، وجهه الأسمر يضج بالطيبة والحيوية والصبر، وابتسامته لا تفارق وجهه. يبادر محمد بالتحدث عن أهوال الخدمة العسكرية، يدفعه إلى ذلك وصوله حديثاً إلى تركيا، وتلهف الناس للاستماع إلى قصصه التي لا تنتهي عن خدمته في "الحرس الجمهوري" في دمشق.

يقول محمد: "خدمت في كل قرى الغوطة؛ في داريا ودوما والشيفونية والقابون ودير العصافير، ولكن جوبر هي الأصعب، ومهما حكيت عنها ما رح أخلص". يقولها بحزن ممزوج بسعادة النجاة وحسن الحظ: "الحمد لله ما آذيت مدني بحياتي، وأمشي ووجهي مكشوف وما أخاف من حدا. أنا كنت عسكري على جبهة، بقاتل يلي يقاتلني، وبنفذ تعليمات". بنبرة عالية، يؤكد محمد على براءته من دم المدنيين.

خدمة محمد، في قوات النظام كانت "أنفاق"، أي مراقبة الأنفاق واقتحامها، وحفرها. وبالنسبة له: "جوبر لا تنتهي، شيء يستحيل التقدم فيه. أكثر مرة تقدمنا فيها كانت لمسافة 50 متراً ورجعنا بعدها وانسحبنا لـ100 متر. 50 متراً بقينا فيها أسبوعاً، وخسرناها في يومين".

يتابع محمد: "جوبر مثل مغارة علي بابا، لن تعرف ماذا يختفي داخلها؛ عفاريت أو جان، كل شيء فيها تحت الأرض". وتحت جوبر مدينة كاملة، مثل الغوطة، حفرتها المعارضة كشبكة أنفاق معقدة تحت الأرض. النظام بدوره حفر أنفاقاً انطلاقاً من أحياء دمشق الشرقية المحاذية لجوبر، وكلما تجاورت مناطق المعارضة والنظام يصبح ما تحتها مثل "عش النمل". يقول: "عندما تنفتح أنفاقنا وأنفاقهم على بعضها بالصدفة... وتولع الدنيا تحت الأرض".

مرّة فجرت المعارضة بناءً من طابقين، كان محمد، ومعه ملازم أول ورقيب وخمسة عناصر، يتحصنون فيه. يقول: "ما طلع غيري عايش، وبُترت قدما صديقي، والبقية دفنوا تحت الأنقاض". يتذكر محمد، كيف "طارت" الأرض من تحتنا، وبعدها كيف سُحبوا من تحت سقف وقع على درج. إصابة محمد ألزمته المشفى لشهرين، قبل أن يُعاد إلى الجبهة. يقول: "ما ضلّ حدا. النظام بده حدا من الغيم، راح بلاوي". يهدأ محمد ويشرد بنظره: "راح كثير، هل تعرف العميد (فلان) الذي قتلوه وعناصره قبل أيام؟ هؤلاء رفاقي من (اللواء 105/حرس جمهوري)". من كل الذين خدموا مع محمد، بقي مقاتلان على قيد الحياة، يؤكد: "خلال السنوات الأربع الأخيرة، دفن البشر تحت الانفاق، لم يقل أحد شيئاً لأهلهم"، وإذا ما ألح الأهل لمعرفة مصير أبنائهم، قالوا لهم: "فرار، لقد فرّوا من الجيش، لا نعرف عنهم شيئاً".

يتابع: "مرة كنت أمشي في نفق خلف مجموعة اقتحام، ففجرت المعارضة النفق بهم، وقتل على الفور خمسة عناصر، ونقيب"، يتابع بغصة: "ما طلع منهم حدا، تركوهم مدفونين بالنفق لليوم. يا عمي، راح شباب وزلم بجوبر، كان ممكن تحرر الجولان وفلسطين، ومعظمهم حرس جمهوري".

لمحمد نظرياته المُجربة في الميدان، فهو يصنف المعارضة وقوات النظام، كالتالي: "الفرقة الرابعة" جبناء ومجرمون مع المدنيين، وعناصرها تظل مع "المخابرات الجوية" جنباً إلى جنب، "يوم داريا ذبحوا الناس. نحن خفنا منهم، وكنا مؤازرة خلفهم. لا يخافون الله. طائفيون". في "الحرس الجمهوري يقصون لسان من يتكلم بالطائفية. في حين أن الرابعة والجوية يسبون السنّة علناً". يتابع في تصنيفه: "حزب الله والإيرانيون لا يقتربون من جبهاتنا، وكذلك الدفاع الوطني والعراقيون، هم مجرمون يريدون الوصول إلى المدنيين لتشليحهم وقتلهم، وإذا ما اندلعت اشتباكات عنيفة يهربون كالأرانب". بالنسبة لمحمد، أشرس مقاتلي المعارضة هم "جيش الإسلام"، يقول: "الفيلق والنصرة علّاكين، الطحن يجيك من جيش الإسلام". 
ولكن "الحرس الجمهوري" ليسوا ملائكة، يعترف محمد: "كانوا يجلبون المعتقلين لأعمال الحفر، ومعهم عناصر مخابرات تمنعنا من الحديث معهم". أيضاً، "جيش الإسلام" لديه 3000 معتقل من "سجن التوبة" يحفرون الانفاق، وذات مرة "حررنا منهم 5 بالخطأ".

محمد يعتقد أنه ليس بمستطاع قوات النظام اقتحام الغوطة الشرقية، إلا إذا استخدمت "صواريخ باليستية" أو الكيماوي، وأضاف ضاحكاً: "عسكرياً غير الله ما يسقطها". كلام محمد ليس مبالغة، فهو كان قد خدم في قاعدة الشيفونية العسكرية في الغوطة الشرقية، قبل أن تنسحب منها قوات النظام، مهزومة على يد المعارضة، تاركة خلفها السلاح الموجود في مستودعات "الحرس الجمهوري". يتابع: "مستودعات الشيفونية لحالها تخليهن يحاربوا 10 سنين، ولديهم ذخيرة، صواريخ الدبابات والشيلكا وBMB... لديهم مستودعات سلاح خاصة بأربع فِرق عسكرية مدرعة، أنا كنت هناك".

يتابع محمد: "كنا نصل إلى مرحلة من الاقتتال مع الجيش الحر، بين المطبخ والحمام، من البيت الواحد، ونبقى على ذلك الوضع لأيام". في الليل، أحياناً كنّا نمّلُ القتال، ونوقفه، ونبدأ بالحكي مع بعضنا.. أحدهم قال لنا: "ليش ما تنشقون؟ بشار بدو يقتلكم.. انشقوا وعليكم الأمان... ونحن كنا نقول لهم الحديث ذاته: "أنتم مغرر بكم.. وتعالوا نجري لكم مصالحة". وحدث مراراً أن تبادل المقاتلون في الخرائب المدمرة علب التبغ وعبوات الماء، قبل أن تندلع الاشتباكات مجدداً بينهم: "تولع بيناتنا بدون ما نعرف ليش.. خيو شغلات ما بتتصدق"..

ولكن فعلاً لماذا لم تنشق يا محمد؟ يجيب: "وين بدي انشق؟ وين بدي روح؟ خيو مرة هربوا عناصر منا وراحوا لجوا.. تاني يوم رمولنا رؤوسهم النصرة". يضيف: "أنا كنت أريد ان أهرب إلى تركيا.. لا أن أنشق.. أريد أن أعيش.. لا أن أظل مقاتلاً كل عمري". يضيف: "من أراد فعلاً الانشقاق، فعلَ ذلك في العام 2012، ومن بعدها ما ظلّ أحد يثق بالآخر".
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها