الإثنين 2015/11/09

آخر تحديث: 14:50 (بيروت)

الساروت محاصرٌ من جديد

الإثنين 2015/11/09
الساروت محاصرٌ من جديد
الساروت رضي بحكم المحكمة الشرعية، ثقةً منه بأن مكانته الثورية، ستشفع له من أي افتراء (انترنت)
increase حجم الخط decrease
تسارعت الأحداث والأنباء المتواترة عن قائد كتيبة "شهداء البياضة" عبد الباسط الساروت، ووصلت إلى ذروتها عند محاصرة "جبهة النصرة" و"فيلق حمص" و"أحرار الشام" مؤخراً لمنطقة مرابطة "شهداء البياضة" في ريف حمص الشمالي الشرقي. حصار أسفر عن مقتل عنصرين من كتيبة "شهداء البياضة" وأسر مرشد أبو طلال ونضال الساروت، المصابين سابقاً.

لا يمكن قراءة الحدث بمعزل عن سياقه الزمني، فالقصة بدأت عند خروج الساروت ومجموعته مع المحاصرين من حمص القديمة إلى ريف حمص الشمالي، في صفقة أيار/مايو 2014، التي أفضت لخروج المحاصرين بسلاحهم. وبدأت أطراف من تنظيم "الدولة الإسلامية" و"جبهة النصرة" و"أحرار الشام" باستقطاب المقاتلين الخارجين من الحصار. وبين تلك الأطراف الثلاثة تضخم الاستقطاب، رغم الهدنة غير المعلنة بينهم.

وعندما اشتد القتال بين تنظيم "الدولة" من جهة و"جبهة النصرة" و"أحرار الشام" من جهة أخرى، انعكس الأمر على الموالين والمبايعين للتنظيم في ريف حمص الشمالي، فقامت "النصرة" و"الأحرار" بحملة تصفية ضد كل من اعتقدت أو تيقنت بولائهم لتنظيم "الدولة"، في أيار/مايو 2015، والمعروفة بحملة "آل زعيب". ووقف حينها عبد الباسط الساروت، موقف الحياد، ودعا لحقن الدماء وعدم قتل المجاهدين لبعضهم، الأمر الذي يُسعد النظام ويُحقق ما عجز عنه خلال السنوات الماضية.

ونتيجة لوضع جبهة "شهداء البياضة"، بمحاذاة جبهات تنظيم "داعش"، كثرت الأقاويل عن مبايعة الساروت للتنظيم، ما حدا بكثير من الإعلاميين لنقل الخبر، وشنّ هجوم عنيف عليه.
فما كان من الساروت، مكرهاً، إلا الرد على الحملة الإعلامية ضده، والتي اعتبرها في حينها "بعيدة من الثورة ولا تليق بها" فقام بإصدار مقطع مصور، في آب/أغسطس 2015، ينفي فيه مبايعة "شهداء البياضة" للتنظيم. في المقطع المصور قال الساروت رأيه البسيط والصريح، بإنه لن يقاتل إلا النظام، ولن يكون تابعاً لأحد، ولن يتدخل في قتال الفصائل لبعضها البعض. الساروت رضي بحكم المحكمة الشرعية التي يسيطر عليها "الأحرار" و"النصرة"، ثقةً منه بأن مكانته الثورية، ستشفع له من أي افتراء.

"المحكمة الشرعية العليا لحمص" أعلنت، الأحد، أن قائد "شهداء البياضة" عبد الباسط ساروت، "آوى عدداً من الأشخاص المهمين في تنظيم داعش بعد معركة تلبيسة، ويسّر هروبهم إلى مناطق التنظيم". لكن الساروت اعتبر أن المحكمة الشرعية "قاض وجلاد"، في إثباتها البيعة عليه، كما كان متوقعاً بعد التحقيق مع العناصر الأسرى من كتيبته، وبعض شهادات "الثقاة" من المحكمة. وتعني إدانة المحكمة الشرعية، حكماً بالإعدام على الساروت، إن سلّم نفسه وسلاحه وعناصره للمحكمة. فما حصل لـ"آل زعيب" ومن معهم، لم يمضِ عليه وقت طويل يكفي للنسيان.

اتهمت المحكمة الساروت، في بيان لها، بأنه رفض حكم الشرع، بعد موافقته عليه سابقاً، وأصرت المحكمة على ثبوت البيعة رغم إعلان الساروت نفيه لها. وإن كان الساروت مبايعاً، فإنه كان ليحصل على الحماية من "داعش"، لكنه حكم على نفسه بالإعدام من قبل "داعش" أيضاً بعدما نفى البيعة. فتنظيم "الدولة" لا يقبل بيعة مشروطة، ولا يقبل بيعة السر.

هاجمت القوى الثلاث الأساسية في ريف حمص الشمالي؛ "جبهة النصرة" و"أحرار الشام" و"فيلق حمص"، مقار "شهداء البياضة" في ريف حمص الشمالي الشرقي، وجبهاتها، وصادرت الأسلحة والعتاد والذخيرة من المقرات، ما تسبب في فرار بعض عناصر الكتيبة ومحاصرة قرابة 25 عنصراً رفضوا تسليم أنفسهم، وتم إخراج الساروت إلى مكان آمن نسبياً، بعيداً عن متناول "النصرة" و"الأحرار"، حتى الآن.

حاول الكثيرون الدخول على خط الوساطة، لكن تعنت "النصرة" لم يفسح المجال للنوايا الطيبة للوصول إلى حلٍّ مُرضٍ للجميع. فـ"النصرة" تريد رأس الساروت ومقراته، التي تحاذي تنظيم "الدولة". كما تريد "النصرة" تأمين خاصرتها الشرقية كون الساروت صرّح أكثر من مرة، أنه لن يشارك في اقتتال بين "أخوة المنهج"، وهو أمر لم تقبل به "النصرة" و"الأحرار".

يسعى أحد الناشطين المعروفين إلى هدنة بضمانة أحد رموز شيوخ الدعوية السلفية، تسمح للساروت بالخروج من الحصار المفروض عليه، على أن يلتحق بـ"جيش الفتح" شمالاً، وهو أمر ما زال المحاصرون من "شهداء البياضة" يرفضونه، لأنه نفي إجباري لذنب لم يرتكبوه، ما يوجب عليهم الابتعاد عن أهلهم في الريف الشمالي.

يجد الساروت نفسه اليوم، منتهكاً بعد اقتحام "النصرة" و"الأحرار" لمنزل أهله، واعتقال صهره وفرض الاقامة الجبرية على أمه ونساء عائلته. وأضحت "شهداء البياضة" محاصرة مرة أخرى، من قوات النظام وتنظيم "داعش" من الشرق، ومن "جبهة النصرة" و"أحرار الشام" من الغرب.

ولا يشكل هذا الحصار إلاً تجسيداً لأطراف الثورة المُحاصَرَة، المنهكة المرهقة بحسابات الآخرين، على أرض الثورة، التي صدح بأغانيها الساروت بعدما كان لفترة طويلة رمزاً للثورة الشعبية الطامحة إلى الحرية.

التخلص من الساروت "حارس كرامة الشعب السوري"، سيعني الكثير لأعداء الثورة، من "أخوة المنهج". وهذا لا ينفي ولا يستبعد خيارات حمقاء، أقدم عليها الساروت، وقد يُقدم عليها مستقبلاً في ظل تلك المعادلات الأمنية.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها