الثلاثاء 2014/11/18

آخر تحديث: 14:45 (بيروت)

عملية دير ياسين.. المقدسيون يعلنون الانتفاضة

الثلاثاء 2014/11/18
عملية دير ياسين.. المقدسيون يعلنون الانتفاضة
منفذا العملية تمكنا من قتل 4 حاخامات في المعهد الديني (أ ف ب)
increase حجم الخط decrease
في موقع قريب من مكان جريمة الشنق التي ارتكبها مستوطنون بحق الشاب الفلسطيني، يوسف الرموني، ومن المكان الذي حدثت فيه مجزرة دير ياسين قبل 67 عاماً، وقعت عملية اقتحام المعهد اليهودي الثلاثاء.


منفذا العملية، عدي أبو الجمل (31) عاماً، ومحمد أبو الجمل (21) عاماً، من جبل المكبر في القدس، اقتحما في ساعة مبكرة من صباح الثلاثاء أحد المعاهد الدينية في المنطقة المسمّاة "هارنوف"، ونفذا عملية مزدوجة باستخدام سلاح ناري و"بلطة"، موقعين 4 قتلى و 13 إصابةً في صفوف المستوطنين والشرطة الذين تواجدوا داخل المعهد، فيما بقي منفذا العملية في الموقع حتى حضرت الشرطة الإسرائيلية وحاصرت المكان، ليحدث اشتباك بين الجانبين انتهى باستشهاد الشابين الفلسطينيين. وكان من بين القتلى، بحسب المصادر الإسرائيلية، هو الحاخام موشي تبراسكي (60) عاماً، وهو رئيس حاخامات "توراة موسى".

على الفور، باشرت قوات الاحتلال حملة أمنية واسعة في مدينة القدس عموماً، وتحديداً في بلدة جبل المكبر، مسقط رأس عدي ومحمد أبو الجمل. فانتشر المئات من جنود الوحدات الخاصة في معظم أحياء البلدة، التي باتت أشبه بساحات حرب بين الشبان الفلسطينيين، وقوات الاحتلال التي أطلقت الرصاص المطاطي وقنابل الغاز بشكل عشوائي في الشوارع وعلى البيوت، قبل أن تقتحم منزلي منفذي العملية، وتعتقل عدداً من أقاربهما بعد أن اعتدت على الأهالي بالضرب، ما أدى إلى إصابة والدة الشهيد عدي أبو الجمل. أما رد فعل المستوطنين، فكان الهجوم بالسيوف على مدرسة للأطفال في قرية عوريف، جنوبي نابلس، ما أدى إلى وقوع إصابات بين أهالي القرية.


العملية التي باركتها حركة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، قائلة إن منفذيها ينتميان إليها، لاقت ترحيب مجمل الفصائل الفلسطينية، التي اعتبرتها رد فعل طبيعي على جرائم الاحتلال، وانتقاماً لجريمة شنق الشهيد يوسف الرموني، الاثنين، مطالبةً باستمرار ما وصفتها "بعمليات الثأر" على جرائم الاحتلال، غير أن الطرف الفلسطيني الوحيد الذي خرج من دائرة الإجماع الشعبي والفصائلي الواسع، كان السلطة الفلسطينية.


وأدانت الرئاسة الفلسطينية العملية التي وقعت "في منطقة القدس الغربية" واستهدفت "المصلين في دور العبادة"، كما جاء في نص البيان الصادر من مكتب الرئيس محمود عباس، والذي أدان في الوقت نفسه "كل أعمال العنف"، مطالباً بوقف استفزازات المستوطنين وتحريض "بعض الوزراء الإسرائيليين".


لكن هذه الإدانة لم تشفع للرئيس أبو مازن أمام الإسرائيليين، الذين اتهموه مباشرة بالمسؤولية عن العملية، حتى إن وزير الخارجية الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان، اتهمه "بإصدار أوامر مباشرة لتنفيذ عمليات مثل تلك التي وقعت اليوم"، قائلاً "إن أبو مازن حول عمداً الصراع إلى صراع ديني بين المسلمين واليهود في القدس". أما رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، والذي دعا قادة الجيش والأمن لاجتماع عاجل لتقييم الموقف، قال إن هذه العملية "هي نتيجة طبيعية للتحريض الذي يمارسه أبو مازن وحركة حماس ضد إسرائيل"، هذا مع الأخذ بالاعتبار أن السلطة ما زالت تعكف على التنسيق الأمني مع إسرائيل، وتقمع المظاهرات الاحتجاجية التي تخرج في المناطق الخاضعة لسيطرتها، وآخرها ما جرى بالأمس في منطقة باب الزاوية في الخليل.


ولعل أخطر التصريحات الواردة من الجانب الإسرائيلي، هو ما قاله عضو الكنيست وزعيم حركة "شاس" الدينية المتطرفة ايلي يشاي، حيث دعا إلى عدم الاكتفاء بهدم منازل منفذي العمليات، بل طردهم من القدس بشكل دائم.


الموقف الأميركي الذي كان غائباً بالأمس عقب جريمة شنق السائق الفلسطيني، صدر هذه المرة سريعاً ومباشراً، وجاء منسجماً كذلك مع الموقف الإسرائيلي، حيث وصف وزير الخارجية الأميركية، جون كيري، العملية "بالعمل الإرهابي المحض"، مطالباً السلطة بإدانة واضحة، وداعياً إياها إلى "وقف التحريض" الذي يؤدي إلى العنف.


كيري تجاهل التحريضات الصادرة على لسان وزراء ومسؤولين كبار في إسرائيل، على رأسهم نتنياهو، الذي يتلاعب بالجميع، وينفذ ما تمليه عليه الأقطاب اليمينية في الحزب والحكومة، التي باتت تهدد باللجوء إلى انتخابات مبكرة، فبعد "قمة الأردن الثلاثية"، التي تعهد خلالها نتنياهو بالحفاظ "على الوضع القائم" في القدس، أصدر الأخير قراراً بفتح بوابات الأقصى أمام المصلين من جميع الأعمار، في سعي منه "لإظهار حسن النوايا"، وبعد يوم واحد فقط، كان جنود الاحتلال يعتدون بالضرب على النساء اللاتي جئن للصلاة في الأقصى، ويحرسون قطعان المستوطنين الذين عاودوا اقتحامه مجدداً.


وفي الوقت الذي كانت تتم فيه هذه الممارسات التحريضية الإسرائيلية، كان يشغل بال كيري كيفية مواجهة إعلان السلطة التوجه إلى مجلس الأمن، عبر مشروع قرار لإنهاء الاحتلال سيطرحه الأردن خلال أسبوعين، حيث أجرى اتصالاً هاتفياً مع أبو مازن موجهاً له تحذيراً واضحاً بفرض عقوبات على السلطة إذا مضت في هذا المسعى، ولعله وجد في عملية الثلاثاء فرصة لوضع السلطة في خانة الاتهام، وممارسة المزيد من الضغوط عليها.


في المحصلة، يمكن القول إن العملية الجديدة، من حيث طريقة التنفيذ وعدد القتلى، هي الأولى من نوعها منذ الانتفاضة الأولى داخل مدينة القدس، التي تمثل قلب القضية الفلسطينية، ومحور الصراع، وحجر الأساس في المشروع الاستيطاني التهويدي، كما أن نمط العمليات الحالي ووتيرتها أيضاً غير مسبوق، ويذكّر بأيام الانتفاضة التي كان فيها الفلسطينيون على موعد مع عملية جديدة كل أسبوع.


لعل ما جرى الثلاثاء يصل بالأمور إلى نقطة اللاعودة. فالإسرائيليون أنفسهم يعترفون بعدم قدرتهم على السيطرة على مثل هذا النوع من العمليات، وهذا ما جاء على لسان مسؤول شرطة الاحتلال في القدس، يوحنان دانينو، قائلاً بكل وضوح: "ليس لدينا حلول".

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها