من هي المجموعة الطلابية التي خلعت أبواب "الميدل إيست"؟

بتول يزبك
الخميس   2023/04/20
أين 52 مليون دولار أميركي كأموال للجامعة اللبنانية بذمة شركات الطيران؟ (المدن)

ليس أستاذ الجامعة اللّبنانيّة وحده المتضرّر من مأزق الجامعة شديد الاستفحال، الطالب صاحب الحقّ وسلطانه أيضًا. لعلّه هذا باختصار ما أرادت "الهيئة التأسيسيّة" المشتملة على مجموعة من طلاب وطالبات الجامعة اللّبنانيّة، مجهولي الهويّة، تكريسه كمبدأ حقوقي عام، لا حكرًا على الكادر التعليميّ.

فليل السّابع عشر من نيسان الجاري، أي منذ حوالى الثلاثة أيام، نفذت هذه المجموعة الطلابيّة، خطوة تصعيديّة، تمثّلت بتعطيل أقفال الأبواب الرئيسيّة لعدد من فروع طيران الشّرق الأوسط في العاصمة بيروت وضواحيها، وكتابة شعارات على جدران المكاتب أبرزها: "طلاب اشتباك"، "الهيئة التأسيسيّة"، "لنا 52، ولكم هذا التهديد". وذلك على خلفيّة إمعان الشركات الأرضية الخاصة العاملة في مطار بيروت، واستمرارها بانتهاج سياسة التحامل والتضليّل، لتمييع فضيحة هضمها لأموال عموميّة تابعة للجامعة اللّبنانيّة، منذ ما يقارب السّنتين إلى اليوم.

وللاستفسار عن تفاصيل هذه الخطوة التصعيديّة التحذيريّة، تواصلت "المدن" مع أحد أعضاء "الهيئة التأسيسيّة"، فيما أفاد الأخير أنّهم في صدّد إنشاء إطار طلابي نقابي مستقل عن كل الأطر السّياسيّة الموجودة في الجامعة اللبنانية. وأكدّ العضو المؤسس، الذي تحفّظ عن ذكر اسمه أو هوية أيّ من زملائه في الهيئة، لما يُشكل الأمر من تهديد على خطواتهم القادمة قيد التحضير، على التزامهم المُطلق بتحصيل حقوق الجامعة اللّبنانيّة المهدورة والمنتهكة، وإلى بلورة محاسبة طلابيّة بالتعاضد والتعاون مع الهيئات التعليميّة المستقلة. وعبّر الطالب أنّهم في صدد التصعيد المستمر، وخصوصاً في ملف أموال فحوص الـ" بي سي آر"، حتّى معرفة حقيقة ما حصل فيه، ومحاسبة كل من أقحم أصبعه في التحقيق أو هدر مال الجامعة. مشدّدًا على أن انهيار الجامعة "لن يصدّع من إرادة صمودهم بوجه حيتان المال واللصوص الذين نهبوا المال العام وهضموا حقّ أساتذتهم وبالتّالي حقهم بالتعليم".

أموال فحوص الـ"بي سي آر"
أواخر عام 2020 أبرمت وزارة الصحة العامة وإدارة الجامعة اللّبنانيّة والمديرية العامة للطيران المدني في مطار بيروت، اتفاقيّة ثلاثيّة، قضت بإجراء الجامعة اللّبنانيّة بالتعاون مع كادرها الطبّي والمخبري فحوص كوفيد – 19 لجميع الوافدين إلى لبنان عبر المطار، على أن تحصل الجامعة على مبلغ قدره 45 دولارًا أميركيًا من أصل مبلغ 50 دولاراً يدفعها الوافد عن كل فحص. وتحوّل هذه المبالغ المستحقة على الحسابات الخاصة بالجامعة اللّبنانيّة لدى مصرف لبنان المركزيّ. بغية الاستفادة من 70 بالمئة من هذه العائدات لتغطية نفقات المشروع، وتكاليف التحاليل المخبرية، وأجور العمال من طلاب وأساتذة ودكاترة، فيما تستفيد موازنة الجامعة بباقي المبلغ كإيرادات ذاتيّة.

وبالفعل، وحتّى مطلع تموز من العام 2021 واظبت شركات الطيران الوطنيّة والأجنبيّة على المنوال نفسه في تسديد حصّة الجامعة من هذه الخمسين دولاراً المستوفاة أساسًا من ثمن تذكرة الطيران، بدءاً من تشرين الثاني عام 2020، بموجب شيكات بالدولار الأميركي من شركات الخدمة الأرضية في المطار (شركة الشرق الأوسط للخدمات الأرضيّة وشركة النقل الجوّي اللبناني)، حيث يتمّ إيداع المبالغ المستوفاة في حساب الجامعة اللبنانية المفتوح لدى مصرف لبنان... إلى أن قامت هذه الشركات بدولرة قيمة تذاكر السفر وفحوص الـ"بي سي آر" بالدولار الفريش حصرًا. الأمر الذي حمل إدارة الجامعة على طلب استيفاء بدل الفحوص بالدولار الفريش، أسوةً بالشركات التّي تتقاضى أسعار التذاكر والفحوص به. رافضةً استلام مبالغ على سعر صرف 1500 ليرة للدولار، أو حتّى دولار المصرف المركزي أو بواسطة الشيكات التّي عرضتها الشركات، مصرةً على طلب استلامها المبالغ بالدولار النقدي، ما جعل الشركات تمتنع عن دفع مستحقات الجامعة لحينه. ليكون تمنع الشركات والاحتفاظ بالمال بمثابة إثراء غير مشروع.

أموال الجامعة المحتجزة
وفيما قُدرت المبالغ المستحقة للجامعة منذ تموز عام 2021 حتّى 9 كانون الثاني من عام 2022، بحوالى 52 مليون دولار أميركي (22 مليون دولار من مجمل الشركات و40 مليون دولار من شركة الطيران الأوسط للخدمات الأرضية وضمنًا "الميدل إيست")، حسب ما أشارت مصادر "المدن" في إدارة الجامعة.  وبالرغم من القرار الصادر أواخر شباط من عام 2022 عن المدعي العام لدى ديوان المحاسبة، القاضي فوزي خميس، الذي ألزم الشركتين آنفتي الذكر بتسديد المبالغ المستحقة بالدولار النقدي، تمنعت الشركتان عن الالتزام بالقرار. فيما لا يزال ملف أموال "بي سي آر" مفتوحًا لدى النيابة العامة المالية، التّي تنظر في هذا الملف، منذ حينها، من دون أي تقدم يُذكر وحتّى من دون وضع سقف زمنيّ لتحقيقاتها. بينما تتلكأ وزارة الأشغال العامة عن التطبيق الفعليّ لصلاحيتها، من جهة حقها بفسخ عقود الشركات، إن امتنعت مجدّدًا عن إيفاء المبالغ المتوجبة عليها، ما يصب في مصلحة الجامعة وإعادة الأموال العامة المهددة بالهضم والنهب. وهذا كما تقترحه بعض الآراء القانونيّة والحقوقيّة.

اليوم وبينما تقف الجامعة بكادرها التعليمي والبشريّ المشرذم وطلابها على بعد خطوات بسيطة من التوقف الكليّ والشامل، بعد سنوات من مراكمة العجز والخلّل والإفلاس والمديونية وانتفاء القدرة التشغيليّة والإضراب المستمر وانحدار المستوى التعليمي والأكاديميّ، والارتهان الأعمى لنفوذ المنظمة السّياسيّة الفاسدة، يتساءل هؤلاء: أين أموال الـ" بي سي آر" التّي من شأنها ضخّ جرعة طاقة مؤقتة للجامعة؟ من المستفيد من المماطلة؟ يتهم الأساتذة والموظفون رئاسةَ الجامعة والمقربين منها بالتواطؤ، فيما الرئاسة والإدارة مصرّة على موقفها الضبابيّ وشبه المهادن والملتبس مع فضيحة النهب هذه، بينما يتخبط الطلاب في دوامة النزاعات القائمة والتفكير الجديّ باجتراح أيّ حلول لضمان وسيرورة تعليمهم، وأحيانًا انتهاج مسلك العنف والصداميّة كمعبر إلزاميّ للنهوض بجامعتهم.