تقرير خطير للأمم المتحدة: كوكبنا سيتغير خلال 20 عاماً

سامي خليفة
الجمعة   2023/03/24
درجات الحرارة في الخمسين عاماً الماضية أعلى مما كانت عليه في ألفيّ عام (Getty)
خلال 30 عاماً من إصدار هيئة الأمم المتحدة لتقاريرها حول المناخ، أقلّ ما يُقال بآخرها الذي صدّر قبل بضعة أيامٍ عن "الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC)"، بأنه الأكثر خطورةً. فاستناداً إلى العلماء الذين صاغوا هذا التقرير، أضحت البشرية في سباقٍ مع الزمن لإبقاء تغير المناخ تحت السيطرة. وإذا ما أكملنا في طريقنا الحالي، فإننا ذاهبون بخطواتٍ ثابتة نحو عالمٍ أكثر احتراراً، وتالياً سنكون شهوداً على كوارث وتغيرّاتٍ مؤسفة تعصف بالمعمورة.

السباق مع الزمن لوقف الكارثة
يربط هذا التقرير بين التقييمات الشاملة لبحوث المناخ المنشورة على دفعاتٍ على مدار العامين الماضيين، والمعروفة باسم تقرير "التقييم السادس AR6". ويتحدث عن فكرةٍ واضحة ومفادها أن تغير المناخ لم يعد تهديداً بعيداً وغامضاً يتحتم على الأجيال القادمة مواجهته. بل إنها أزمة ستشتد على المدى القريب. فتأثيرات الاحترار الذي نشهده حالياً بمقدار 1.1 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل العصر الصناعي، تتكشف بشكلٍ أسرع من المتوقع في كل منطقةٍ من مناطق العالم، وبعض هذه التغييرات لا رجوع فيها.

يذهب علماء الهيئة العلمية التابعة للأمم المتحدة أبعد من ذلك، فيقولون إن الموعد النهائي لعكس المشهد يقترب بسرعة، إذ سيكون من المستحيل تحقيق هدف الأمم المتحدة الرسمي المتمثل في الحد من ارتفاع درجة حرارة هذا القرن إلى أقل من 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل العصر الصناعي، ما لم تصل الانبعاثات العالمية إلى ذروتها لتبدأ بعدها بالانخفاض في العامين المقبلين. وبذلك ستحتاج البلدان إلى خفض انبعاثاتها بنسبة 60 في المئة بحلول عام 2035.

استناداً إلى مسارنا الحالي، تسير البشرية نحو كوكبٍ أكثر احتراراً. في هذا السيناريو الأكثر احتمالية، سيواجه جزءٌ كبير من البشر موجات حرارة تزداد سوءاً، وهطول أمطار غزير، وانعدام الأمن الغذائي، وأنظمة إيكولوجية مدمرة. ولنقول الأمور بطريقة مبسّطة، يعمل تغير المناخ على تغيير العالم بشكلٍ أسرع مما كان يعتقده العلماء، ونحن نرى بالفعل حدود قدرة أجزاء من الكرة الأرضية على التكيف.

تقرير موجّه لصانعي القرار
هذه الاستنتاجات هي نتاجٌ لآلاف الأوراق البحثية التي أشرف عليها مئات العلماء. رغم ذلك، يوصف التقرير الجديد للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ بكونه الأقل تقنية من بين التقارير الصادرة منذ عام 2021، ويستهدف صانعي السياسات والجمهور الأوسع. وهو يلخص ما تعلمه المجتمع العلمي منذ عام 2015، ويكشف قدرتنا على التكيف، وكيف يمكن للعالم أن يرسم مساراً أكثر استدامة. وغالباً ما يقول علماء الهيئة إنهم لا يحاولون وصف سياساتً محددة في عملهم، إنما يريدون إعطاء صانعي القرار أدوات العمل للتحرك.

وإضافةً إلى تشديد علماء الهيئة على ربط حرق الوقود الأحفوري بتسخين العالم.. يسلط التقرير الضوء أيضاً على التقدم في علم الإسناد، حيث يمكن للباحثين تتبع مدى تأثير الاحترار الذي يسببه الإنسان في تفاقم العواقب المحددة لتغير المناخ، مثل موجات الحرارة الشديدة. من هناك، صقل العلماء توقعاتهم لما يخبئه العالم إذا توحدت البشرية للحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، وإذا لم تفعل ذلك.

حقائق مرعبة
ويكشف التقرير عن حقائقٍ مرعبة، فيقول أن تركيزات الكربون وصلت إلى أعلى مستوى لها منذ مليونيّ عام، ودرجات الحرارة في الخمسين عاماً الماضية كانت أعلى مما كانت عليه في الألفيّ عام الماضية. ولا تتوقف الأحداث المأساوية هنا، فما يقرب من نصف سكان العالم باتوا يعيشون في مناطق شديدة التأثر بتغير المناخ، كما أن الوفيات الناجمة عن الفيضانات والجفاف والعواصف في هذه المناطق كانت بالفعل أعلى بمعدل 15 مرة من المناطق الأقل عرضةً للخطر في العقد الماضي.

في غضون 20 عاماً، سيكون كوكبنا، حسب العلماء، أمام مشهدٍ دراماتيكي، تُمحى فيه مناطق كبيرة مجمدة، وستكون نسبة 14 في المئة من جميع الأنواع الحية مهددة بالانقراض. وهذا الاحترار سوف ينذر أيضاً باضطرابٍ اقتصادي غير مسبوق، سيأتي في وقتٍ أقرب مما نعتقد.

غاز الميثان
إلى ذلك، يلفت علماء الهيئة بأن العامل الرئيسي في مدى سرعة اقتراب العالم من هذه العتبات الجديدة لن يتحدد بواسطة ثاني أكسيد الكربون، ولكن من غازات الدفيئة الأقل شهرة كالميثان. وبفترةٍ زمنية تقارب 20 عاماً من اليوم، سيكون الميثان أقوى بحوالى 80 مرة من ثاني أكسيد الكربون عندما يتعلق الأمر بحبس الحرارة في الغلاف الجوي. لذا، فإن الكميات الأصغر من انبعاثات الميثان لها تأثيرٌ كبير على درجة حرارة الكوكب.

يرجع جزء كبير من انبعاثات غاز الميثان في العالم إلى الأنشطة البشرية، مثل استخراج الغاز الطبيعي والزراعة وبناء السدود ومقالب النفايات. وهذا يعني بطبيعة الحال، أنه يمكن للناس الحد بشكلٍ مباشر من انبعاثات الميثان العالمية وتغيير مسار الاحترار. وقد وقعت أكثر من مئة دولة، تمثل ما يقرب من نصف مستويات تلوث غاز الميثان العالمية، على تعهدٍ عالمي طوعي بالميثان لخفض مستوياته بنسبة 30 في المئة على الأقل بحلول عام 2030. ووفقاً للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، تُعتبر هذه التخفيضات من غاز الميثان ضرورية خلال العقد الحالي، إضافةً إلى ضرورة التوصل إلى تخفيضاتٍ حادة في ثاني أكسيد الكربون.

الطاقة المتجددة والحاجة إلى تقنياتٍ جديدة
وبما أن العديد من الأدوات التي نحتاجها للحد من تأثيرنا على درجة حرارة الكوكب أصبحت موجودة بالفعل وبكلفةٍ أرخص، توضح الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ ذلك بقولها أن تكاليف الطاقة الشمسية وبطاريات الليثيوم أيون انخفضت لكل وحدة بنسبة 85 في المئة، بينما انخفضت تكاليف طاقة الرياح بنسبة 55 في المئة بين عاميّ 2010 و 2019.

أصبح بناء مصادر طاقة متجددة جديدة في كثيرٍ من أنحاء العالم، أرخص من حيث التكلفة مقارنةً بتشغيل محطات توليد الطاقة العاملة بالفحم. ومع ذلك، لا يزال الوقود الأحفوري يلبي حوالى 80 في المئة من احتياجات الطاقة في العالم. وبالنظر إلى المستقبل، خلصّ تقرير الهيئة الحكومية الدولية إلى أن طاقة الرياح والطاقة الشمسية لا تزالان تتمتعان بأكبر قدرٍ من الإمكانات للحد من الانبعاثات العالمية. لكن العالم سيحتاج معهما إلى التقدم في التقنيات الناشئة، مثل إزالة ثاني أكسيد الكربون مباشرة من الغلاف الجوي والمحيطات.

الأمل موجود
إنّ عملية فرملة مستويات الاحترار تتطلب استثماراتٍ غير مسبوقة في الطاقة النظيفة، وتمويل الابتكارات، والتكيف مع التغييرات التي لا يمكننا تجنبها. كما تتطلب جهازاً سياسياً قادراً على اتخاذ مثل هذه القرارات الضخمة والتأكد من انسحابها على الوظائف والهواء الذي يستنشقه الإنسان.

في هذا الإطار، يقول علماء الهيئة أن العالم لديه تمويلٌ أكثر من كافٍ للتعامل مع هذا التحول. ويُعدّ إنهاء دعم الوقود الأحفوري وفرض تسعير الكربون من أنواع السياسات التي ستساعد في إحداث فرق. وقد بدأت بعض أجزاء العالم في إجراء هذه التغييرات، حيث أقرت الولايات المتحدة، أكبر مصدر تاريخي لغازات الاحتباس الحراري في العالم، قانون "خفض التضخم Inflation Reduction Act" العام الماضي، وهو أكبر وأشمل جهد لها لمكافحة تغير المناخ. وتقوم قبرص حالياً ببناء حديقة كهروضوئية هي الأكبر في البلاد بقدرة 72 ميغاوات، ومزودة بنظام بطارية بقدرة 41 ميغاوات.

وتعقيباً على ما خرج به العلماء من استنتاجاتٍ وتوجيهات، قال الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، إنّ التقرير الأخير يجب أن يكون بمثابة دعوة واضحة لجهود المناخ السريعة المطلوبة على نطاقٍ واسع من قبل جميع البلدان وكل القطاعات وفي إطارٍ زمني محدد. مشدداً أن الهدف المنشود بالحد من ارتفاع درجة الاحترار إلى أقل من 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل العصر الصناعي، ممكن تحقيقه، لكنه سيتطلب قفزة نوعية في العمل المناخي.