مجلس نواب في "اليسوعية" لأربعة أيام: السياسة قبل فسادها

يارا ماريا الخوري
الخميس   2023/03/23
من أجل تعلّم ماهية الديمقراطية والشفافية والمحاسبة (المدن)

منذ أيام قليلة، أي نهار الجمعة 17 آذار الحالي، بدأت الدورة السابعة من برنامج "برلمان الشباب" (Model Youth Parliament) الذي تنظمه مؤسسة فريدريش ناومان من أجل الحرية (Friedrich Naumann Foundation for Freedom – FNF Lebanon) وجامعة القديس يوسف في بيروت، والذي يجمع طلاباً من مختلف الجامعات في لبنان، يؤدون دور النواب في المجلس اللبناني.

التمثيل الحزبي
هؤلاء الشابات والشبان يمارسون دور النائب لأربعة أيام متواصلة فقط، وينقسمون بطريقة عشوائية، أي بالقرعة، إلى أحزاب هي موجودة بالفعل على الساحة السياسية في لبنان، ممثلين بذلك مختلف التيارات والآراء والانتماءات السياسية. كما أنهم ينقسمون إلى لجان نيابية تدرس اقتراحات القوانين المقدمة لهم، تماماً كما تجري العملية التشريعية. ولتحقيق هدفهم، يستعينون بممثلين عن الأحزاب لشرح مختلف المواقف تجاه هذه القوانين، وكذلك باختصاصيين يشرحون المواد القانونية التي سيعمل الطلاب المشاركون على مناقشتها وتعديلها.

اقتراحات القوانين الأربعة لدورة هذه السنة كانت قانون استقلالية القضاء في لجنة الإدارة والعدل، موازنة عام 2023 في لجنة المال والموازنة، قانون جزائي يجرّم الاغتصاب في لجنة المرأة والطفل، وقانون معالجة النفايات في لجنة البيئة. وقد ترأس الجلسة أمين عام حزب الكتلة الوطنية ميشال حلو، وجرى التصويت برفع الأيدي. أما الفائزون هذه السنة فكانوا خمسة. وقد استحقوا رحلة تثقيفية الى العاصمة الألمانية برلين مُنظّمة من قبل مؤسسة FNF.

أفكار سياسيّة جديدة
"تشجّعتُ على المشاركة السنة الماضية كوني شعرت بأنّ الخطاب السياسي بدأ يتغيّر في البلد، وبأنه يمكنني خوض تجربة برلمانيّة مع أفكار سياسيّة جديدة، حتّى ولو لم أُعيّن في كتلة من النوّاب التغييريّين أو المستقلّين"، يقول هادي فقيه، وهو مشترك سابق ومرشد حالي في البرنامج، وهو حاصل على شهادة علاج انشغالي من الجامعة اليسوعية، وطالب صحّة عامّة في الجامعة الأميركية في بيروت.

لا شك أن هؤلاء الشابات والشبان يعيشون من خلال هذه التجربة آفاقاً جديدة، هي بالتأكيد لا تعبّر عن قناعاتهم السياسية والاجتماعية المتمسكين بها: فترى مثلاً في هذا المجلس النيابي طالباً "عونيا" نائباً عن حزب القوات اللبنانية، أو طالباً آخر ينتمي إلى "حركة أمل" يدافع عن مبادئ ثورة 17 تشرين، وهكذا دواليك. ويختبر الطلاب أيضاً العملية التشريعية الديمقراطية، بما فيها من مناقشة وتفاوض وإقامة تحالفات وتقديم التنازلات، تماماً كما أفادت طالبة الماجستير في القانون في الجامعة اللبنانية روان إبراهيم قائلةً: "نعي من خلال هذا البرنامج أنه ليس من الصعب أن تتفق الأحزاب المختلفة بنظامها الداخلي ونهجها السياسي على قوانين تكون لمصلحة الشعب والشأن العام". وتضيف روان، وهي مشتركة سابقة ومرشدة حالية: "إن اللجان النيابية هي "مطبخ" المجلس النيابي، ونحن نجهل ما يحصل فعلياً في هذه اللجان. إذ إنها ليست علنية كما يجب أن تكون".  أما تغيير الهوية السياسية ولو لبضعة أيام فقط، فيساعد في مكان ما على فهم الآخر وقناعاته الراسخة، ويساهم في تعلّم الإصغاء والانفتاح على الاختلافات في لبنان التي يمكن وصفها بالكثيرة، كما أنه يخفّف من وطأة التشدد والتعصب المنتشرين، للأسف، في مجتمع الشباب. فيعتقد نديم حويك، وهو طالب حقوق سنة ثالثة في الجامعة اليسوعية، أن مشاركته هذه السنة علّمته "كيفية المناقشة بطريقة دبلوماسية والحوار والإصغاء إلى الرأي الآخر واحترامه".

العمل الفعّال والشفاف
منذ أيام، فتح هذا المجلس الافتراضي أبوابه في الجامعة اليسوعية، وأتى الطلاب من كل حدب وصوب مجرّدين من بيئتهم السياسية والاجتماعية، ليتعرّفوا على العمل التشريعي وكيفية إجرائه وأهميته كأداة للعمل السياسي والتنظيمي الفعّال والشفاف، وليتبادلوا أفكارهم بغية تشريع قوانين تأتي لمصلحة الوطن والشعب فقط لا غير، ولتترسخ في أذهانهم أيضاً فكرة أن دور النائب هو دور تشريعي حصراً، وليس له أي صفة خدماتية أو زبائنية. فعلى المقترعين الذين شاركوا في العملية الانتخابية أن يراقبوا النواب ومحاسبتهم على أساس أدائهم وعملهم التشريعي.

هذا البرنامج الذي تنظمه مؤسسة فريدريش ناومان من أجل الحرية وجامعة القديس يوسف في بيروت هو فرصة لكل الطلاب المشاركين للانخراط في العمل السياسي وتعلّم ماهية الديمقراطية والشفافية والمحاسبة.