إعلان نهاية الكوليرا بعكار.. وفقراؤها يبقون بلا طبابة واستشفاء

مايز عبيد
الأربعاء   2023/02/01
إعلان الإنتصار على الوباء بعد 3 أشهر من ظهوره (المدن)

في وقتٍ يتخبّط فيه القطاع الصحي في لبنان بالأزمات؛ تبدو عكّار المحافظة الأكثر تأثرًا بها، لكونها تعيش حرمانًا مزمنًا منذ عقود، وبالأخص الحرمان على المستوى الصحي. فأزمة هذا القطاع انفجرت أزمات على أكثر من صعيد، سواء على صعيد المستشفيات الحكومية والخاصة، أم على صعيد الجسم الطبي أو الأدوية والصيدليات .. والمريض دائمًا هو من يدفع الثمن.

المشهد الصحي: صورتان متناقضتان!
اليوم، المشهد في القطاع الصحي عكاريًا تتقاسمه صورتان متناقضتان تمامًا. الصورة الأولى إيجابية على نحو مفاجئ، مع إعلان نهاية وباء الكوليرا وإقفال المستشفى الميداني المخصص لهذه الغاية في بلدة ببنين. جاء ذلك خلال لقاء في مركز الإيمان الطبي جمع رئيس بلدية "ببنين- العبدة" الدكتور كفاح الكسّار مع فريق عمل المستشفى الميداني والمتطوِّعين ومدير مكتب عكّار في الهيئة الطبية الدولية طاهر طاهر. وقد أشار الكسّار إلى أنّ "هذه النتيجة التي وصلنا إليها اليوم، والمتمثّلة بالانتصار على الكوليرا، لم تكن لولا الإستجابة السريعة التي أولانا إياها وزير الصحة العامة في حكومة تصريف الأعمال الدكتور فراس الأبيض ولولا فريق العمل المميز ودعم المنظمات الدولية من صليب أحمر والهيئة الطبية الدولية ومنظمة الصحة العالمية واليونيسف". وشدد الكسّار في حديثه للمدن على أن "إعلان الإنتصار على الوباء بعد 3 أشهر من ظهوره وبعد علاج آلاف الحالات في هذا المستشفى الميداني لا يعني أن إمكانية ظهوره من جديد أو ظهور أوبئة وأمراض أخرى لم تعد موجودة، خصوصًا وأن مناطقنا تعاني أزمة نفايات كبرى لم تشهدها في تاريخها وليس في الأفق أي حل لها".

صفر حالات
هنا وفي ملف الكوليرا لا بدّ من التذكير بأنّ الوصول إلى "صفر" حالات كوليرا في عكار، جاء نتيجة تضافر جهود وزارة الصحة مع البلديات والفاعليات في المنطقة والمنظمات العاملة في هذا المجال، والتي أثمرت إقامة مستشفى ميداني بشكل سريع، عمل على معالجة الحالات المصابة إلى جانب المستشفى الحكومي، بالإضافة إلى حملة التلقيح التي انطلقت سريعًا وشملت مناطق عكار كافة.

أما الصورة الثانية فتبدو قاتمة وغير إيجابية بالمرة. في هذه الصورة تبرز أزمة المرضى مع المستشفيات ومع الجهات الضامنة. هنا يبرز ضعف الدولة والوزارة المعنية أمام مشاكل القطاع وأزماته، وكل ما يتعلّق بصحة المرضى. فمن جهة برزت مشكلة المستشفيات مع الجهات الضامنة. إذ تتمنّع المصارف عن إعطائها مستحقاتها المالية من الجهات الضامنة، فإحدى المستشفيات التي حوّل لها مبلغ 3 مليارات ليرة لبنانية لم يسمح لها المصرف بسحب أكثر من 3 ملايين ليرة في الشهر الواحد، هذا الأمر حدا ببعض المستشفيات إلى وقف استقبال المرضى على الجهات الضامنة، ومنهم عسكريين وموظفين ولم يبق إلا المستشفى الحكومي ومستشفى "الحبتور" الخاص، لاستقبال مرضى الجهات الضامنة. ولكن إلى متى؟

إلى ذلك، صار يتوجّب على المرضى الذين ليس لديهم جهات ضامنة أن يدفعوا تكاليف علاجهم بالدولار الفريش، في منطقة أغلب سكانها باتوا دون خط الفقر، ويعتبر دخول هؤلاء إلى المستشفيات في هكذا ظروف أشبه بالمعجزة.

ولذا، تكثر في عكار في الآونة الأخيرة طلبات المعونة عبر ووسائل التواصل الاجتماعي (فايسبوك، واتساب) فيقوم شخص أو مجموعة من الأشخاص بجمع التبرعات المالية لمريض أو أكثر، بغية إجراء عملية أو دفع فاتورة استشفائية. وإذا كانت هناك حالات مرضية خطرة أو عمليات لم تتأمّن لها تكاليف العلاج، فإن مصيرها الموت على أبواب المستشفيات، وما أكثر هذه الحالات في هذه الفترة.

مراكز الرعاية الأولية
ولأن القطاع الصحي في لبنان يقف بجزء كبير منه على دعم المنظمات الدولية، يبرز دور مراكز الرعاية الأولية في عكّار حيث ينتشر 34 مركزًا بين المناطق، وهناك مراكز أخرى قيد الافتتاح. ويلجأ المرضى العكاريون إليها لأنها تقدّم الخدمة الصحية بشكل شبه مجاني، باعتمادها على دعم المنظمات، ولكنها تبقى قاصرة عن متابعة المرضى في فترات الليل وتفتقر إلى غرف العناية وغرف العمليات.