"قارب الموت" أبحر تحت التهديد.. والنظام السوري يعتقل ناجين

جنى الدهيبي
الخميس   2022/09/29
وصل عدد الضحايا اللبنانيين الذين سُلِّمت جثثهم نحو 18 ضحية (المدن)

تتراجع عمليات البحث عن المفقودين قبالة ساحل طرطوس، مقابل التسليم بأعداد الجثامين التي عثر عليها، وقد ناهزت المئة، فيما هناك أكثر من 30 جثة لم يتم التعرف عليها بعد، بسبب تشوهها.. في حين تتعالى الأصوات الحقوقية دفاعًا عن بعض الناجين السوريين والفلسطينيين السوريين الذين اعتقلهم النظام السوري، وسط تكتم شديد حول مصيرهم وأسمائهم.  

ويقول لـ"المدن" أحد ذوي الضحايا الفلسطينيين الذي انتقل من مخيم نهر البارد إلى مستشفى الباسل في طرطوس للتعرف على جثة ابنته وعائلتها: "إن مشهد الجثث وهي متلاصقة على الأرض لا يمكن وصفه. أثر الكدمات والتشوهات كفيلة لتحاكي بعض العذاب الذي عاشوه الضحايا قبيل ساعات من غرق المركب. كنا نبحث عن بعض العلامات بأجسادهم المنتفخة لنسهّل عملية التعرف على ضحايانا، لأن وجوههم مشوهة بالكاملة".  

اعتقال الناجين  
وفي سياق مفاجئ لمسار عمليات الإجلاء، اتهمت "مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سوريا"، القوات العسكرية للنظام السوري باحتجاز عدد من الفلسطينيين السوريين، ممن نجوا من القارب، فيما تتحدث معلومات "المدن" أن النظام قام أيضًا باعتقال السوريين الناجين أو أقارب بعض ذوي الضحايا.  

وفي حديث مع "المدن"، يقول فايز أبو عيد المتحدث الإعلامي باسم "مجموعة العمل" إن عدد المحتجزين داخل مستشفى الباسل غير معروف: "بعض الأهالي أخبرونا قصصًا حول الاحتجاز. لكنهم يخشون من كشف هوياتهم خوفًا من اعتقالات إضافية".  

ويخشى أبو عيد أن تكون الاعتقالات قد طالت معارضين، بحجة أنهم مطلوبون أمنيًا أو للخدمة العسكرية، "لا سيما أن فلسطينيي سوريا يخدمون عادة بجيش التحرير الفلسطيني في سوريا الذي هو عمليًا يتبع جيش النظام".  

لا أرقام سورية
وحتى الآن، لم يصدر عن السلطات السورية أي تقدير رسمي لأعداد الضحايا السوريين في هذا القارب والناجين، وسط ترجيحات أن تكون الأعلى قياسيًا لأعداد الفلسطينيين اللاجئين في لبنان ومن ثم اللبنانيين.  

وقال المتحدث إن النظام قد يتذرع في اعتقالاته بالاستناد إلى أحكامه القانونية، التي تجيز ملاحقة وعقاب من خرج بطريقة غير شرعية من الأراضي السورية، أو ساهم بوقوع الجرم على الأراضي السورية. علما أن النظام نفسه، يغض النظر ويقوم بالتسهيل أمنياً، وفق معلومات "المدن"، لانتقال سوريي الداخل عبر المعابر غير الشرعية إلى شمال لبنان بغية الهجرة على متن القوارب نحو أوروبا.  

غرق تحت السلاح؟  
ولم يتجاوز عدد الناجين من أحد أسوأ حوادث غرق قوارب المهاجرين أكثر من 20 شخصاً من أصل نحو 150 مهاجراً.  

ويقول أحد ذوي الضحايا في نهر البارد لـ"المدن"، أن الفلسطيني أسامة نافذ حسن، وهو كان مكلفًا من المهرب المعتقل بلال ديب (أبو علي نديم) أن يكون القبطان، وقاد المركب تحت تهديد السلاح بقتل زوجته وأولاده الأربعة على متنه من قبل ديب وشقيقه. وكان أسامة يرفض أن يبحر بالقارب بعدما اكتشف أنه غير آمن. وذلك خلافًا لوعود ديب الذي أرسل لهم صورًا عن مركب كبير مجهز بكامل المستلزمات واعدًا إياهم أن لا تتجاوز حمولته 50 مهاجراً، إلى أن تبينت الخديعة: مركب صغير خشبي وثقيل، غير آمن للإبحار نحو أقرب جزيرة شمالًا، وعلى متنه نحو 150 راكباً.  

وتتحدث روايات ذوي ضحايا وناجين رصدتها "المدن"، أن رحلة الموت الأخيرة لركاب هذا القارب، كانت المحاولة الثالثة للهرب عن طريق المهرب نفسه. إذ تقاضى الأموال من المهاجرين منذ نحو أربعة أشهر، واستمر بالكذب عليهم، فوقعوا بمصيدته ووجدوا أنفسهم رهن إشارته للانطلاق، بعدما باعوا معظم ممتلكاتهم كثمن للهجرة نحو إيطاليا، وبعضهم كان يخطط للتوجه منها إلى بلجيكا.  

حزن وتشييع  
وقارب عدد الضحايا اللبنانيين الذين وصلت جثثهم إلى لبنان نحو 18، وذلك بعد أن شيعت بلدة وادي الجاموس 6 أفراد من عائلة واحدة، وهم الأب والأم وأولادهما الأربعة من آل العكاري، وسط أجواء من الغضب والحزن.  

وكانت أوساط فلسطينية في لبنان، قدرت عدد ضحايا هذا المركب بنحو 39 فلسطينيًا، 35 منهم لاجئون في مخيم نهر البارد شمالي لبنان و4 آخرون من مخيم شاتيلا. وتتوالى مراسم التشييع في مخيم "نهر البارد" الذي مني بفاجعة كبيرة، وآخرها تشييع جثامين كل من أسامة نافذ حسن وزوجته صفاء محمد حمّاد، فيما لم يعثر على جثامين أطفالهم الأربعة، وسهى واصف عبد العال.