مصير الإهراءات: محو أثر الجريمة أم تنصيبها شاهداً تاريخياً؟

وليد حسين
الخميس   2022/08/04
تتزامن الذكرى السنوية الثانية، لهذه الفاجعة الأليمة، مع بدء انهيار الشاهد الحي عليها (المدن)
الفيديو لأحد مشاريع تحويل ما تبقى من صوامع الإهراءات كنصب تذكاري.

عامان على انفجار مرفأ بيروت من دون معرفة الحقيقة. قد يكون مسار العدالة بهكذا انفجار لا مثيل له في التاريخ إلا بمقارنته مع القنابل النووية، طويلاً. لكن انقضى عامان بتحقيق معطل ومتوقف بفعل الخلافات السياسية المعتادة في لبنان، التي أدت إلى محاصرة المحقق العدلي في هذه القضية.

انهيار الشاهد على الانفجار
عامان من التعطيل وتسويف التحقيقات لعدم معرفة الحقيقة، أو مساءلة المسؤولين المحتملين، بفعل قصدي أو إهمال وتقصير، أدى إلى ذاك الانفجار الهائل. انفجار وفق تحليل الخبراء يوازي خمس قوة القنبلة التي ألقيت على مدينة هيروشيما. وكانت حصيلة الانفجار 224 قتيلاً و7 آلاف جريح و150 شخصاً أصيبوا بإعاقة دائمة و300 ألف شخص تشرّدوا من منازلهم بعدما تضررت 77 ألف وحدة سكنية، كما تضررت 178 مدرسة وجامعة و26 مستشفى ومستوصف وخسائر مادية تقدر بنحو 15 مليار دولار.

تنظيف مسرح الجريمة
عامان شاءت الصدفة أن تتزامن الذكرى السنوية الثانية، لهذه الفاجعة الأليمة، مع بدء انهيار الشاهد الحي عليها، أي ما تبقى من صوامع حبوب، بعد إهمال المسؤولين، أو ربما تواطؤهم، بعدم تدعيمها، وتركها تتهاوى الواحدة تلو الأخرى. فيصبح مسرح الجريمة مهيأ بعدها لإعادة إعمار المرفأ وتطويره ليصبح "مرفقاً حيوياً للبنان، وإحدى بواباته الهامة التي تعمّق دوره المنشود على ساحل المتوسط"، على ما صرح وزير الأشغال علي حمية.

وتشاء الصدفة هنا أن يكون الوزير حمية أكثر الوزراء تشدداً بضرورة "تنظيف" المرفأ من كل مخلّفات الانفجار، على اعتبار أن بقاء بقايا الصوامع أو جزء منها، يعيق إعادة التطوير، كما هو مخطط للمرفأ.

قرار هدم الإهراءات متخذ
عامان من إهمال الحقيقة وشواهد الجريمة، انتقلت فيها قضية انفجار، أو تفجير، المرفأ من المطالبة بمحاسبة الفاعلين إلى ضرورة الحفاظ على الإهراءات وحمايتها، كما يطالب أهالي الضحايا. فهم يريدون لها أن تبقى شاهداً على الجريمة، بما تمثله من "ذاكرة جماعية"، لا تطوي صفحة الانفجار ويصبح طي النسيان. ويقفون بوجه سلطة متهمة بالعمل على محو الذاكرة من خلال القضاء على ما تبقى من إهراءات.

لكن ما يخطط له المسؤولون شيء وما يرغبه أهالي الضحايا شيء آخر. فقرار هدم الإهراءات متخذ والبحث بالطريقة الفضلى للهدم تناقش. وأتى الحريق الذي اندلع في إهراءات الجهة الشمالية منذ مطلع الشهر الفائت، لينقذ ماء وجه المسؤولين، بالتفتت الذاتي والانهيار الجزئي لها، جراء تمدد الحديد وتصدع الإسمنت. وتُرك الحريق ليأخذ مداه وبدأت مرحلة السقوط الجزئي للشاهد الحي على هول الانفجار.

مبادرة قد لا تبصر النور
قرار الهدم والتنظيف متخذ، ربما ليس رغبة بإرضاء جهة أو جهات سياسية لا تريد أي شاهد أو وصمة أو أي علاقة لو غير مباشرة بالانفجار، بل لضرورات "جمالية" أو "عملية" تسهل إعادة الإعمار بطرق حديثة. ورغم ذلك ثمة "محاولات لإقناع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي للإبقاء على جزء من الإهراءات أو صوامع معينة، تأخذ بالاعتبار الواقع الفني والهندسي لها، والمساحات اللازمة لخطة إعمار المرفأ"، على ما يقول المطلعون على النقاشات.

المداولات الرسمية بقضية الإهراءات تشي بوجود نية لتركها تتهاوى الواحدة تلو الأخرى. والمقصود ليس الجهة الشمالية التي بدأت تتساقط، بل حتى الجهة الجنوبية المستقرة. فثمة آراء حول صعوبة الحفاظ عليها نظراً لعدم إمكانية تفريغها من الحبوب من دون عمليات تدعيم. وهذا يفتح المجال للكلفة المالية والجدوى الاقتصادية. أي بمعنى آخر تركها لتلقى المصير عينه للجهة الشمالية.

ورغم ذلك يقول المطلعون أن رئيس الحكومة رحب بفتح النقاش لتشكيل لجنة مشتركة تضم وزراء من حكومته وممثلين عن أهالي الضحايا ونقابة المهندسين لبحث قضية الإهراءات.

لكن أي مبادرة لن يكتب لها النجاح قبل معرفة النوايا الحقيقية للحكومة. ولن يقبل أهالي الضحايا بأي نقاش قبل تثبيت مبدأ الحفاظ على الإهراءات. في حال اتخذ قرار حكومي بتثبيت مبدأ الحفاظ على الإهراءات كشاهد على الجريمة، يفتح النقاش العام. ويتم البحث بالنواحي التقنية، أي هدم ما يوجب هدمه والحفاظ على ما يجب الحفاظ عليه. وأي جزء يتوجب هدمه يجب أن يكون له التبرير التقني والفني المتعلق بالأمان والسلامة العامة. وغير ذلك لن تبصر أي مبادرة النور، يقول المطلعون.