الحرب ضيفة سهرات الجنوبيين: إيمان بالنصر.. يشوبه الخوف والقلق

محمد علوش
الثلاثاء   2022/08/16
"الكلّ سيبقى في مكانه"، يقول عليّ. إذ لا مكان نرحل إليه هذه المرة (Getty)
نعيش اليوم الذكرى 16 لانتهاء حرب تموز- آب 2006، التي كانت آخر حرب بين العدو الإسرائيلي ولبنان، على وقع توقعات باندلاع مواجهة عسكرية قريبة بين الطرفين، على خلفية معضلة ترسيم الحدود واستخراج الغاز، بعد التهديدات التي أطلقها أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله، ورسمه معادلة جديدة بخصوص آبار الغاز على الساحل الفلسطيني، فماذا إذا وقعت الحرب فعلاً؟

يستمر التحضير للحرب في المنطقة. وما شاهده اللبنانيون الأحد في سمائهم من طائرات إسرائيلية تقصف محيط ميناء طرطوس في سوريا، قد يحدث في لبنان في المستقبل القريب. فهناك وقائع تُشير الى أننا أمام خيارين متساويين في نسبة تحققهما: إما الحرب، وإما الترسيم قبل نهاية شهر أيلول. إضافة إلى احتمال ضئيل بأن يتم الاتفاق على تأجيل الأمر إلى شهر تشرين الثاني المقبل.

جيل لا يعرف الحرب
وقعت الحرب الأخيرة بين لبنان وإسرائيل منذ 16 عاماً، ما يعني أن كل من هم دون العشرين سنة لا يعرفون عن الحرب شيئاً. فهم لم يعيشوا في ظلها، ولم يتضرروا بمآسيها، ولم يشعروا بآلامها وخوفها. لذلك نراهم اليوم في آرائهم وكلامهم، متحمسين للحرب ويتحدثون عنها وكأنها "نزهة".

يقول أحمد، وهو ابن 18 ربيعاً، إن الحرب قد آن أوانها تمهيداً لزوال اسرائيل من الوجود، مشدداً على أن هذه قناعة تامة لديه. والله وعد المؤمنين بذلك، ولا بدّ للوعد أن يتحقق. وهذا ما تعلّمه أحمد في مدرسته الكشفية، أنه سيحصل فعلاً، لكن هل يُدرك أحمد معنى الحرب؟

يُشير الشاب الجنوبيّ الى أنه سمع بالحرب ممّن عايشها من أهله، وإخوته الأكبر منه سنّاً حدّثوه عن التهجير الكبير التي حصل صيف 2006 يوم توجهت عائلته إلى الجبل بداية، ثم إلى سوريا في الأيام العشرة الأخيرة من الحرب. وهو يشدد على أنه يُدرك صعوبة الحرب، لكنها تبقى أفضل من الاستسلام لمحاولات القتل البطيء الذي يحصل اليوم.

واللافت هو حجم تهليل الفتيان وصغار الشبان للحرب على مواقع التواصل الاجتماعي. أما الجيل الذي كان شاباً خلال حرب 2006، فبات يملك مقاربة مختلفة عن الجيل الذي تلاه، لأسباب عديدة.

الخوف على العائلة
في حرب 2006 كان محمد شاباً جامعياً في العشرين من عمره. خرج من قريته الجنوبية بعد 8 أيام على انطلاق الحرب، وتوجه نحو بيروت حيث عمل في مجال مساعدة المهجّرين. لكنه اليوم عندما تُذكر الحرب أمامه يشعر بالخوف.

يقول محمد الذي يسكن في الضاحية الجنوبية: "يزداد القلق كلما تحدث أحد عن احتمال الحرب واقترابها، خصوصاً أولئك الذين يظنون الحرب لعبة مسلية". ومردّ هذا القلق هو أن "لديّ عائلة، زوجة وطفل، كما لديّ أهل يعتمدون عليّ ويسكنون في الجنوب. وأخشى وقوع الحرب فجأة، فأنفصل عنهم. وأخشى فكرة خسارتهم. لذلك أقول دائماً: إذا أراد الله أن يصيبنا بمكروه في أي حرب مقبلة، فلنكن جميعاً كعائلة واحدة في مكان واحد". هذه الفكرة تهيمن على مشاعر غالبية الشبان الذين كوّنوا عائلة خلال سنوات السلم التي تلت حرب تموز 2006. فاليوم لديهم ما يخافون عليه.

سهرات انتظار الحرب
تسيطر فكرة الحرب على سهرات الشبان في الجنوب الذي، حتى اللحظة، لا يشعر من يسكن فيه أن الحرب ستقوم بين ليلة وضحاها. على عكس ما يُشاع بأن حالة طوارىء أُعلنت في صفوف المقاومين المستعدين بلا شكّ لكل جديد، يتمحور الحديث في السهرات حول طبيعة الحرب المقبلة: هل ستكون شبيهة لحرب تموز، أم مختلفة عنها؟

يسأل عليّ عن بداية الحرب. يتخيلها متسائلاً: هل ستكون قاسية منذ اللحظة الأولى، أم أنها ستتدرج تصعيداً؟ هل سيكون أمام اللبنانيين الوقت لفهم ما يجري؟ هل سيتم استهداف الجنوب أولاً أم الضاحية؟ وماذا تخبىء لنا المقاومة من مفاجآت؟ صديقه يجيبه: "أكيد في شي محضّر للطيران". ستكون المفاجأة الكبرى في الحرب المقبلة، ويقول آخر: "الحرب ستكون في المستوطنات هذه المرة".

أسئلة كثيرة وثوابت
ليس لكثير من الأسئلة التي تُطرح حول طبيعة الحرب المقبلة ونتائجها أجوبة واضحة. لكن الثوابت في هذا الإطار كثيرة، بين نسبة كبيرة من أبناء المجتمع الجنوبي، أبرزها على الإطلاق أحقية لبنان والمقاومة بهذه المواجهة وأسبابها، والإيمان بالانتصار، رغم علم الجميع بأن النصر سيكون مُتعباً ومكلفاً وسيُبذل لأجله "الدمّ". وهناك شعور بأن الحرب المقبلة لن تشهد عمليات تهجير كبيرة، "فالكلّ سيبقى في مكانه"، يقول عليّ. إذ لا مكان نرحل إليه هذه المرة، بعد تبدّل الظروف بين 2006 و2022.