مأساة عيد الجيش: عسكريون بأعمال غير شرعية لتأمين عيشهم

محمد علوش
الإثنين   2022/08/01
لم يحمل العيد معه سوى وعود بالمساعدة (Getty)
مرة جديدة يأتي عيد الجيش في مستهل آب على وقع الهموم الكبيرة التي يعيشها العسكريون في لبنان. لم يحمل العيد معه سوى وعود بالمساعدة، قد تتحقق قريباً لتُنقذ المؤسسة مما تمرّ فيه. وقد لا تتحقق الوعود، فيزداد الوضع سوءاً، رغم أن التفاصيل قد لا تكون ظاهرة للعيان.

قد يكون الجيش اللبناني هو المؤسسة الأكثر تضرراً بسبب الظروف الاقتصادية الراهنة، بدليل أعداد الذين تركوا الخدمة ورحلوا. إذ كان العدد أواخر العام الماضي حوالى 5 آلاف عسكري من الجيش، وبضع مئات من باقي الأجهزة الأمنية. وحسب الباحث في الدولية للمعلومات محمد شمس الدين، فإن العدد غير الرسمي للمتسربين من الخدمة من الجيش وباقي الأجهزة الأمنية يتراوح ما بين 7 و10 آلاف.

ويرى شمس الدين في حديثه إلى "المدن" أن هذا العدد قد يزداد وقد لا، حسبما يُقدّم من مساعدات للعناصر، مشيراً إلى أن السماح للعسكري بممارسة عمل آخر خارج دوام عمله، ساهم في تقليص أعداد المتسربين. وهذا منطلق موضوعنا.

أعمال خارج الدوام
يعمل حسين، وهو جندي في الجيش اللبناني منذ 14 سنة، في مجال البناء خلال أيام عطلته. ويُشير في حديث إلى "المدن" أن راتبه العسكري لا يكفيه لدفع فاتورة اشتراك المولد. ويضيف: "خدمتي ليست بعيدة جداً عن مكان سكني. وأخدم حوالى 8 أيام خلال الشهر. احتاج خلالها إلى حوالى مليون ونصف المليون ليرة للتنقل. وهذا ما يجعل المبلغ المتبقي من راتبي قليلاً جداً". ويكشف أنه لم يترك الخدمة لئلا تضيع الأعوام التي قضاها في الجيش سدىً، آملاً أن تتحسن الرواتب قريباً ليتمكن من الصمود.

أما قاسم فيخدم في جهاز أمن الدولة، لكنه يتغيّب عن الخدمة بشكل متكرر، لأنه لا يملك المال للوصول إلى مركز عمله. ويقول إنه لولا تفهّم مسؤوله لوضعه لكان طُرد منذ زمن. ويشير إلى أن أحداً من زملائه لا يتعرض لأي عقوبة في حال تأخر أو لم يحضر، لأن الجميع يعرف تماماً أن الرواتب لا تكفي. لذلك يعمل قاسم سائق أجرة في أيام كثيرة، ويكسب حوالى 4 مليون ليرة شهرياً.

أعمال غير شرعية
لاقى قرار قيادات الأجهزة الأمنية والعسكرية السماح للعسكريين بالعمل خارج الدوام، استحسان العناصر الذين يعلمون أن قياداتهم ليست صاحبة القرار بزيادة رواتبهم. لكن بعض العناصر في أكثر من جهاز، فضلوا استغلال عملهم للقيام بأعمال غير شرعية تُنتج لهم أموالاً.

منذ فترة كشفنا في "المدن" عن عملية سرقة إطارات سيارة قرب بيروت أبطالها عناصر في جهاز أمني. واليوم تكشف مصادر أمنية أن عناصر أمنية وعسكرية في جهازين على الأقل، عملوا في سوق المحروقات، لكن ليس خلال الأزمة التي مرّ بها القطاع منذ أشهر. إنما منذ زمن ليس ببعيد، مشيرة إلى أن هؤلاء عمدوا الى سرقة البنزين والمازوت من الآليات العسكرية الكبيرة بكميات صغيرة لا تُثير الشكوك، وباعوها بأقل من ثمنها بقليل، إما لعاملين على المحطات، وإما لمواطنين عاديين.

كذلك أبرم بعض هؤلاء اتفاقات مع عمال المحطات التي تبيع المحروقات للعسكريين مقابل "بونات"، فعمدوا إلى السرقة. وتكشف المصادر أن عدداً من العسكريين يقضون اليوم عقوبة بالسجن بسبب هذه السرقات. لا ينتهي الأمر عند المحروقات. إذ اكتُشفت عمليات سرقة قطع غيار سيارات عسكرية من قبل عناصر يعملون في هذا الاختصاص، إضافة تحصيلهم رشاوى مالية لإنجاز جوازات سفر لمواطنين.

بعد المعلومات التي انتشرت حول تلقي ضباط مبالغ مالية تصل إلى ألف دولار، لقاء تسهيلهم حصول مواطنين على جوازات سفر، علمت "المدن" أن جهاز الأمن العام، حقق ما وعد به سابقاً، ونفّذ توقيفات تتعلق بهذا الملف. لكنه كما جرت العادة يعمل بسرية في كل الشؤون الداخلية. وحسب المعلومات فإن بين المتورطين ضباطاً برتب عالية.

وتُشير المعلومات إلى أن بعض العناصر يطلبون مبالغ مالية مقابل محاولة تسهيل الاستحصال على جوازات السفر، تصل إلى 500 دولار، بلا وعد بتحصيل الجواز، إنما لقاء المحاولة فقط، علماً أنهم غير قادرين على تنفيذ المهمة أصلاً. فيأس بعض المواطنين دفعهم لقبول الدفع مقابل المحاولة فقط.