إهدن: صراع سياسي على حساب أهم محميات لبنان

جنى الدهيبي
الجمعة   2022/07/22
تعتبر محمية إهدن أول محمية طبيعية أعلن عنها في لبنان في العام 1992 (Getty)
فتح قرار وزير البيئة في حكومة تصريف الأعمال، ناصر ياسين، تعيين لجنة لمحمية حرج إهدن سجالًا قاده النائب ميشال معوض، ويضمر صراعًا سياسيًا تاريخيًا، بين زعامات زغرتا الذين يتسابقون على تقاسم النفوذ في المنطقة، ولو على حساب مصالح أهلها وأحراجها ومساحاتها الخضراء وثروتها الطبيعية.  

وعبر التنديد بقرار ناصر ياسين، وجّه معوض سهامه ضد زعيم تيار المردة سليمان فرنجية، كونه منذ سنوات يحظى بسلطة على بلدية زغرتا–إهدن كون رؤساء بلديتها من فريقه، ويتولون رئاسة لجنة المحمية. والأمر نفسه حصل بتعيين رئيس اللجنة الحالية، وهو رئيس البلدية أنطونيو فرنجية خلفًا لرئيس البلدية السابق سيزار باسيم.  

أقدم وأهم محميات لبنان  
يُذكر أن لمحمية حرج إهدن، لجنة حكومية رسمية تضم سبعة أعضاء يتألفون من رئيس وأعضاء البلدية، ومن جمعية أصدقاء حرج أهدن (والدة النائب طوني فرنجية مريان سركيس)، ومن جمعية الميدان (برئاسة ريما فرنجية زوجة سليمان فرنجية)، ومؤسسة "رينيه معوض"، وجمعية يوسف بك كرم، والمجتمع المحلي. ويجري استشارة هذه الجهات عرفيًا لتسمية الأعضاء.  

ورغم مساحتها الصغيرة البالغة نحو ألف هكتار، تعد محمية "حرج إهدن واحدة من أهم محميات لبنان والشرق الأوسط، نظرًا لثرائها البيولوجي والطبيعي، وهي أول محمية طبيعية أعلن عنها في لبنان في العام 1992. وتضم المحمية التي تقع على منحدرات الجبل، ثروة بيئية استثنائية، وفيها نباتات نادرة كالزعفران وشقائق النعمان. كما تمتاز غابتها بتنوعها البيولوجي، وتتكثف فيها الصنوبريات، وتحتوي وفق بعض الدراسات على نحو 1058 نوعًا نباتيا، وعشرات أصناف الطيور والفطريات".  

لذا، تحظى هذه المحمية بأهمية استثنائية لدى أهالي زغرتا وإهدن، وتعد بمثابة معلمٍ طبيعي يتفردون به، ومقصدًا سياحيًا ورياضيًا لهم وللوافدين إلى منطقتهم. هذا الواقع، عزز الصراع السياسي تاريخيًا عليها، رغم أنها تحت وصاية وزارة البيئة. وتمكن تيار المردة عبر البلدية والجمعيات التابعة والمؤيدة من السيطرة عليها طوال الأعوام الفائتة. لكن الوزارة نفسها تبدو عاجزة عن كسر الأعراف التي تكرست بفعل قوة الأمر الواقع لدى تعيين أعضاء اللجنة، ومن دون وضع معايير واضحة لجهة اختيار كفاءة أعضائها على مستوى إدارة المحميات والأحراج.  

سجال ومحسوبيات  
ولم تجرِ بعد عمليات التسلم والتسليم بين اللجنتين القديمة والجديدة. وتتألف الجديدة التي عينها الوزير ياسين من رئيس بلدية زغرتا–إهدن أنطونيو فرنجية (رئيساً)، والأعضاء: ماريان سركيس، بسام ساروفيم، سنا أبو ديب (جمعية الميدان)، ألكساندر جوخدار، ورينه جعيتاني، فيما علّق أنطونيو معوض عضويته بإيعاز من ميشال معوض.  

ويقول رئيس البلدية أنطونيو فرنجية لـ"المدن": "اللجنة تم إقرارها قانونيًا وبناءً على المراسلات بين الوزارة والجمعيات الأهلية المحلية حسب الأصول والطرق التي تعتمدها وزارة البيئة في تشكيل لجان كل محميات لبنان". ويعتبر أن هجوم معوض مستغرب بعد أن سمّى عضوًا في الجمعية.  

ولا يبدو أن اللجنة تحمل مشروعًا جديدًا بعناوين واضحة للمحمية، "بل ننتظر تسلم مهامنا لدراسة وضعها"، وفق رئيسها.  

بيان معوض
وكان ميشال معوض أصدر بيانًا محملًا بالرسائل السياسية ضد فرنجية، من دون أن يوضح بدوره أسباب ومبررات مشاركة مؤسسته بعضوية لجنة يصفها بالزبائنية، قبل تعليق هذه العضوية.  

وقال معوض: "كنا قد ظننا لوهلة أن وجود وزير "تكنوقراط" على رأس وزارة البيئة سيحميها من التدخلات السياسية، ولكن وزير البيئة ناصر ياسين أتى ليبرهن العكس، ويثبت أنه خاضع لتوجيهات سياسية بامتياز، وتجلى ذلك بقراره تعيين لجنة جديدة لمحمية حرج اهدن الطبيعية بعد 3 سنوات من الانتظار يرسخ منطق التبعية السياسية والزبائنية والفساد". 
وتحدث معوض عن فساد قائم في المحمية قائلًا: "رغم كم المخالفات التي ترتكب في نطاق الحرج والتي تغطيها البلدية ومن وراءها، ورغم اتصالنا بالوزير أكثر من مرة لمطالبته بتعيين لجنة خارج منطق المحاصصة، لجنة كفاءات، مستقلة، قادرة على تطوير المحمية، وعلى الرقابة الادارية والمالية، ووضع حد للفساد المستشري، أصر الوزير على تعيين لجنة لا تراعي المعايير أعلاه، وتضرب أيضا بعرض الحائط التمثيل الشعبي الزغرتاوي الذي تجلى في الانتخابات النيابية الأخيرة".   

وختم قائلًا: "نعلن تعليق مشاركة مؤسسة رينه معوض الممثلة بالسيد أنطونيو معوض في اللجنة طالما لم يتم تصحيح القرار، ونؤكد استمرارنا في مواجهة الفساد المستشري في ادارة المحمية وثروتنا الحرجية".

ياسين يرد
ورداً على بيان معوض، صدر عن المكتب الإعلامي لوزير البيئة الدكتور ناصر ياسين ما يلي: "نأسف لرد الفعل الذي صدر عن سعادة النائب الأستاذ ميشال معوض، تعليقاً على قرار وزير البيئة بتعيين لجنة لمحمية حرج إهدن، بعد غيابها لسنوات، حيث استند قرار وزير البيئة إلى الانظمة، واعتمد الإجراءات المتبعة في تعيين الأعضاء منذ سنوات عبر دعوة كل من البلدية وجمعية حرج إهدن وجمعية الميدان وجمعية يوسف بك كرم ومؤسسة معوض تسمية ممثليها في لجنة المحمية. إن نموذج إدارة المحميات الطبيعية عبر ممثلين عن السلطة المحلية والجمعيات الناشطة هو نموذج ناجح ويؤمن الاحتضان المحلي للمحميات. وبالتالي، لا علاقة لقرارات وزير البيئة بأي زبائنية سياسية ولا بأي حسابات مناطقية، كما ورد على لسان سعادة النائب. إقتضى التوضيح".  

غضب الناشطين
وحتى الآن، لم يعلق الوزير ناصر ياسين على خلفيات هذا السجال وتداعياته.  

توازيًا، يقول الناشط البيئي والمدني في زغرتا–إهدن، بولس الدويهي، إن الغضب الذي أثاره قرار تعيين اللجنة، "لأنه صدر عن وزير كنا نحسبه على التغييريين، وكان بوسعه حتمًا الضغط نحو الإصلاح في تركيبة هذه اللجنة ولو جزئيًا، بدل تكريس أعراف السيطرة عليها من قبل جمعيات تابعة لنافذين في المنطقة".  

وقال لـ"المدن" إن التاريخ يشهد علي سوء عمل هذه اللجنة في الإشراف على إدارة الحرج، وقبل نحو ثلاث سنوات، لم تتخذ أي خطوة لوقف عمليات تزفيت طريق المحمية. كما لا تقوم اللجنة -وفقه- بمهامها التي تحتاج لاختصاصيين يحرصون على المحمية ويعملون على مشاريع لتطويرها ومراقبة إدارتها، بدل تحويلها غنيمة للتقاسم والسيطرة السياسية والعائلية".