شباب يقاطعون الانتخابات: القمع وكلفة النقل.. واليأس أيضاً

بتول يزبك
الأربعاء   2022/05/11
الانتخابات الحالية مصيرية فهي الأولى التّي تحصل بعد انتفاضة 17 تشرين (علي علّوش)
تكاد تكون الهوة واسعة بين صورة الشباب اللبناني المتظاهر والغاضب التّي سيطرت على مشهدية 17 تشرين الأول 2019 المليونية الرافضة للسلطة القائمة، وبين صورة الشباب التي تستبطن عزوف نسبة لا يستهان بها عن المشاركة في الانتخابات البرلمانية آخر الأسبوع. وقد يكون انتشار هذه النزعة طبيعيًا حتى في أفضل الديموقراطيات، لكنها في لبنان عميقة الغور لدى الفئات الشبابية.

يوم انتخابي مُكلف
هذه الفئات مثقلة بسجل طويل من الأزمات. فالأزمة الاقتصادية وكلفة النفل من وإلى مراكز الاقتراع، والسّطوة الاجتماعية التّي تُعرقل استقلالية الأفراد بخياراتهم الانتخابية، واهتراء وفساد الإدارات المعنية بالشأن الانتخابي، من المختار وصولاً إلى وزارة الداخلية، ناهيك عن النفس الإستسلامي المهيمن، تحمل كلها نسبة مرتفعة من الشباب على مقاطعة الانتخابات الأحد المقبل، قسرًا لا طوعًا كما تجري العادة.

ففي ظل الأزمة الاقتصادية والمالية الضارية، وتفلت تسعيرة السّلع والخدمات، وأزمة المحروقات التّي أدت إلى ارتفاع تكلفة النقل، يفضلّ بعض الشباب وخاصة الجامعيين/ات، والذين يقطنون في بيروت لا في بلداتهم الريفية بغية الدراسة والعمل، عدم تكبد تكلفة الذهاب إلى مراكز الاقتراع البعيدة، والتّي قد تتجاوز 500 ألف ليرة لبنانية (في النقل العام). وبدل ذلك تستغل فئة الشباب هذا اليوم كعطلة أو للعمل الإضافي الإنتاجي، وتجنب المشاركة في انتخابات غير مقنعة بالنسبة لهم.

ش.ذ. (21 سنة) طالبة جامعية وناخبة للمرة الأولى قالت لـ"المدن": "فضلت البقاء في بيروت وعدم التوجه إلى قريتي البقاعية للاقتراع، كي لا أخسر قسمًا كبيرًا من راتبي الشهري. فأنا واثقة من عدم التغيير. وعوضًا عن ذلك، حجزت دوامًا مزدوجًا في عملي بغية الكسب المادي، الذي قد تفيدني أكثر من الانتخاب".

لا أمل بالتغيير
وإذا كانت أحزاب الطبقة الحاكمة تعمل على توفير وسائل نقل للناخبين/ات في إطار حملاتها الانتخابية، فإن بعض الفئات الشبابية التّي ترفض الاعتماد على هذه الأحزاب، وترزح تحت وطأة الأزمة الاقتصادية تفضل عدم الانتخاب، الذي لا يضمن منفعة أكيدة من هذه العملية الديموقراطية.

ورغم أن القوى التغييرية لم تتلكأ قط عن حثّ المواطنين على عدم المقاطعة، بحجة أن الطبقة الحاكمة هي المستفيدة مباشرة من الإحباط، غير أن بعض الشبان والشابات (أغلبهم شاركوا في التظاهرات) لم يقتنعوا بمزاعم هذه القوى واعتبروا أن لا ثقة ولا أمل بالتغيير في لبنان، وبالتالي توجهوا للمقاطعة التامة.

وفي هذا السّياق تشير بتول حرب (21 سنة) أنها سوف تقاطع، لأنها لا ترى أي إصلاح فعلي قد ينتج عن هذه الانتخابات. وهي تقول: "منذ يومين كنت في سوق النبطية، وصادفت مهرجانًا لحزب الله، ورأيت المناصرين بالآلاف يهتفون ترفرف فوقهم الأعلام. فتأكدت أن لا تغيير فعليًا قد يحدث، ولا أمل بهذا البلد. أي انتخابات تلك التّي قد تقتلع نبيه برّي عن رئاسة البرلمان، أو تزيح أي نائب فاسد عن كرسيه، وخصوصًا في الجنوب؟!".

وفي جنوب الثنائي الشيعي يخشى الشباب المعارض الاقتراع لصالح التغييرين، الذين قد لا يساهمون في أي حلحلة أو إصلاح فعليّ. ففي غمرة الاستقطاب والحملات الانتخابية للثنائي وضخامتها، ناهيك عن التجاوزات الأمنية والقانونية التّي تهدد حياتهم، يقف الشباب المعارض عاجزًا عن ممارسة حقه بالاقتراع، تحسبًا للخيبة المؤجلة والمحتملة.

حق سياسي منتهك
أفادت هبة. ع (22 سنة)، ولم تتمكن من المشاركة في تظاهرات 17 تشرين إلا بتأييدها معنويًا، لأن عائلتها عارضت مشاركتها، أنها تتخوف من المشاركة انتخابيًا، بسبب الضغوط العائلية التّي قد تفرض عليها خيارات لا تشبهها. ففي قريتها بإقليم الخروب يهيمن سياسيًا كل من الحزب الاشتراكي وحزب الله. وقالت: "أخشى انتخاب من ليس على القدر الكافي من المسؤولية، كي لا أشعر بالندم لاحقًا. كما أن انتخابي للوائح المعارضة قد يكون خطرًا، حيث يسود جوّ من المحسوبيات في عائلتي المتحزبة".

يسود نمط متوارث من أشكال القمع السّياسي، والذي ينتهك حرّية الأفراد في الخيار السّياسيّ. وعليه أعربت بعض الفئات الشبابية المعارضة عن تخوفها من المشاركة اقتراعًا، خشية إكراههها على خيارات لا تشبهها. أو أن تكون شريكة في نجاح المرشحين الفاسدين المتسببين بضياع الشباب وإفقارهم. وتنضم إلى هذه الفئة عينات من الشبان غير الواثقين لا بالتقليديين ولا بالتغييرين، ويعزف هؤلاء عن انتخاب أي قوى طامعة بالسّلطة.

أزمة إدارية
تشير أريج حدرج (25 سنة) وهي شاركت سابقًا في تظاهرات 17 تشرين، إلى أن الانتخابات فرصة جادّة لزعزعة أركان السّلطة القائمة، وخصوصًا في الجنوب. وهي عقدت النية للمشاركة فيها لصالح التغييرين، غير أنها تفاجأت بواقع عدم ورود اسمها واسماء اخوتها في لوائح الشّطب. وعندما حاولت الاستفسار وتقديم طلب من مختار البازورية، كان ردّه في البداية: "خلي يلي بدك تنتخبيهن ينزلولك اسمك". وصرفها بحجة أنه سيحاول قدر الإمكان، ليعود ويقول لها بعد أيام إن مهلة تقديم الطلبات قد انتهت. وبذلك تكون قد قاطعت الانتخابات مرغمةً. وتقول: "لو أُتيحت لي الفرصة لكنت انتخبت اللوائح المعارضة لا الثنائي. غير أن بيروقراطية وفساد المؤسسات قد تسببت بحرماني حقي القانوني بالإقتراع للمرة الأولى".

يحصل هذا على الرغم من ذكر قانون الانتخابات النيابية صراحةً في المادة 36 منه، حق كل ناخب مقيد في إحدى القوائم الانتخابية في أن يطلب من لجنة القيد المختصة شطب أو إضافة إسم أي شخص جرى قيده أو أغفل قيده في القائمة ذاتها خلافاً للقانون. ولكل من المحافظ والقائمقام والمختار المختص أن يمارس هذا الحق. وبالرغم من أن هنالك العديد من الحالات غير الواردة في لوائح الشطب لا تنطبق عليها شروط الحرمان من حق الاقتراع، فإن تقاعس السّلطات المولجة قد تسبب خسارة العديد من المواطنين صوتهم، وخصوصًا الشّباب/ الشابات، وحقوقهم الانتخابية، نتيجةً التقاعس والبيروقراطية والأخطاء الإدارية العشوائية.

يمكن اعتبار الانتخابات الحالية مصيرية. فهي الأولى التّي تحصل بعد انتفاضة 17 تشرين، وما انبثق عنها من قوى تغييرية معارضة في مختلف المناطق اللبنانية، وأغلبيتها من الشباب. غير أن توجه بعض الشبان والشابات المعارض للمقاطعة، وإن كان مبررًا، فهو يشكل ضربة موجعة لهذه القوى.