التعليم المتدهور: تقليص المنهج مجدّدًا لامتحانات "سهلة"

نعمه نعمه
الأحد   2022/03/06
سيتخرّج التلامذة من صف البكالوريا بمستوى الصف التاسع أو العاشر في أفضل الأحوال (ريشار سمور)

قبل يومين، اجتمع وزير التربية عباس الحلبي وفريقه مع رئيسة لجنة التربية النيابية، النائبة بهية الحريري، ورئيس المركز التربوي جورج نهرا والمستشارون، وأجمعوا على إجراء الامتحانات الرسمية للشهادتين المتوسطة والبكالوريا والمهني. وتدارسوا مرة أخرى عدد أيام التعليم المطلوب تنفيذها، وحجم المنهج. وذلك بعدما ينهي المركز التربوي والمديريات العامة في الوزارة دراسة الواقع تربوياً ولوجستياً. حدث يتكرر كل عام منذ قرار الإغلاق في شباط 2020، حين عمل المركز التربوي على تقليص المنهج مرتين وهو يعدّ العدة للمرة الثالثة.

حكاية التقليص منذ إطلاق المناهج 1997
منذ 1998 بعيْد إقرار المناهج، عمدت الوزارة إلى عرقلة تعليم المواد الإجرائية (رسم، مسرح، موسيقى، تكنولوجيا) التي كانت من صميم المنهج وركائزه، وجعلتها اختيارية وعلى عاتق صندوق المدرسة، فأهدافها، في التصميم الأساسي للمناهج، تعزيز نماء شخصية المتعلّم من خلال تنمية قدراته وتطوير وسائل التعبير الفني وتكامل شخصيته على المستويين النفسي والاجتماعي وتنمية قدرات التواصل.. كان هذا أول تقليص. فقد تم تعطيل المواد الإجرائية لصالح المواد الأساسية واستبدلت الحصص الإجرائية بالمواد الأساسية.

وكما هو معلوم للمخضرمين، فإن العام الدراسي في التصميم الأساسي كان 170 يوم تدريس فعلي حسب منهج 1997، وبقرار من الوزير السابق بو صعب تم تقليص السنة الدراسية إلى 26 أسبوعاً، أي 130 يوم تدريس. وفي العام الماضي أصدر الوزير طارق المجذوب قرارًا بتقليص العام الدراسي إلى 18 أسبوعاً (أربعة أيام تدريس في الأسبوع) أي 72 يوم تدريس. الوزير الحلبي أصدر قرارًا مؤخرًا يعيد احتساب السنة الدراسية على أساس 26 أسبوعاً، أي 104 أيام (أربع أيام تدريس في الأسبوع) واليوم يريد تعويض أيام التدريس المفقودة ويضيف يوماً أو يومين أسبوعيًا لتعويض المتأخر، نتيجة الإضرابات والتي استمرّت عمليًا حتى نهاية شباط 2022.

وفي عملية بسيطة نحتسب أيام التدريس بعد التعطيل، نتيجة الجائحة والإضرابات، فنجد أنفسنا أمام نحو 4 أشهر متبقية (من آذار حتى حزيران ضمناً) ما يقارب 80 يوم تدريس فعلي (6 أيام تدريس في الأسبوع) بحده الأقصى، من ضمنها تعويض الفاقد التعليمي للسنتين الماضيتين. وسيتم تقليص المناهج والتخلّي طبعاً عن كل المواد الإجرائية والرياضة، وربما المختبر والمواد الاختيارية لصالح المواد الأساسية لعبور الامتحانات الرسمية.

تَعدَّل المنهج وتقلّص وتمدد 3 مرات خلال الأعوام الثلاث الماضية، والسنة الدراسية تقلصت من 170 يوم تدريس إلى 130 إلى 72.. واليوم سيتخرّج التلامذة من صف البكالوريا بمستوى الصف التاسع أو العاشر في أفضل الأحوال، فحتى اليوم لم تضع الوزارة خطة علاجية لتعويض الفقدان التعليمي خلال 24 شهرًا من الإغلاق القسري، في الوقت الذي يحتاج فيه التلامذة اليوم للتدخل لمعالجة الفقدان الناتج عن الإغلاق.

حلول الوزارة الإدارية
يبدو واضحًا أن الوزارة تبحث عن حلول إدارية ومالية، وليس تحقيق أهداف تربوية مستدامة. فلا يهمها أن يكتسب المتعلمون الكفاءات المطلوبة ولا تعويض الفاقد التعليمي ولا مهارات التفكير.. بل تعتبر التلامذة والمعلمين أرقامًا تحتسب في جداول حسابية. فحسابات الإنجاز الفارغ من المضمون التربوي هو المعيار عندها. فلدى الوزارة دائمًا جداول تُظهر أعداد الفائزين بالشهادة، لكنها تتناسى الكفاءة وجودة التعليم الذي تقدمه لمواطنيها. وهي اليوم تعمل على إطار المناهج الجديدة المرتقبة بعد عامين، ستضعه قيد التنفيذ مستندًا على سنتين من التعطيل المدرسي، وسيجري تقييمه على تلامذة لم يكتسبوا الكفاءات المطلوبة بل متأخرين دراسيًا عامين عن المستوى المطلوب، عدا عن التأخر عن المستوى الدولي في جودة التعليم والبالغ ثلاث سنوات.