أوسع لقاء تربوي لبناني دولي: تطوير التعليم وإنقاذ الجامعات

جنى بركات
الخميس   2022/03/03
كان لبنان يتميّز بأنه "جامعة" الشرق الأوسط (مصطفى جمال الدين)
عقدت الأربعاء 2 آذار 2022 المحطّة الرابعة من اللقاء التشاوري الوطني لإنقاذ وتعافي قطاع التربية والتعليم العالي بالتركيز على الجامعات. وذلك بحضور وزير التربية عباس الحلبي ورؤساء الجامعات وممثّلين عن الاتحاد الأوروبي، البنك الدولي، والأونيسكو. ويهدف هذا اللقاء إلى النقاش وتبادل الأفكار مع أساتذة ودكاترة في الجامعة اللبنانية، إضافة إلى الجامعات الخاصة، من أجل تطوير هذا القطاع في ظلّ الأزمة الاقتصادية، كي لا تودي به.

جودة التعليم
لطالما كان لبنان يتميّز بأنه "جامعة" الشرق الأوسط، نظراً لدوره التعليمي اللافت، مع وجود جامعات عريقة تساهم في رفع المستوى التعليمي ليلامس المعايير الدولية. فجذب لبنان العديد من الجاليات العربية والأجنبية للتعلّم في جامعاته.

وفي الوقت عينه، لا بدّ من الحفاظ على جودة التعليم. وقدّم وزير التربية عباس الحلبي بعض الاقتراحات التي قد تساهم في تطوير الجودة التعليمية. فركّز الحلبي على عدد الجامعات المتواجدة على الأراضي اللبنانية، وهي 52 جامعة. وهذا رقم يُعدّ كبيراً في بلد صغير.

لكن مشكلة وجود هذا العديد من الجامعات تتجلى في عدم تكافؤ الجودة بينها. فمنها معترف بها دولياً، ومنها حصلت على تراخيص عشوائية بعد الحرب الأهلية، حسبما قال رئيس الجامعة الأميركية الدكتور فضلو خوري. من هنا، اقترح الحلبي بعض الخطوات ومنها: العمل على رؤية واضحة وصياغة جيّدة من أجل توزيع الجودة التعليمية بشكل عادل على الجامعات اللبنانية.

وهناك خطوة أخرى تملي عدم "التقوقع" في مهن معيّنة، مثل الطّب أو الهندسة أو المحاماة، لأن اللجوء إلى هذه المهن يعدّ الأكثر إقبالًا ويفضي إلى مرتبة اجتماعية مرموقة. وهذا ساهم في ارتفاع نسبة البطالة، بسبب الفائض من أهل هذه المهن. وينعكس التقوقع على هذه المهن فقراً في المهن الأخرى إلى حدّ انعدام وجودها.

وتابع الوزير مشدّداً على مبدأ التقييم الذّاتي من قبل الجامعات لجودة التعليم فيها، بعد طرح البرامج الجديدة، حيث لا يمكن للوزارة أن تتابع 52 جامعة. وأشار الحلبي إلى تشكيل لجان معنيّة لمتابعة وتطوير القطاع التربوي في ظلّ هذه الأزمة، إضافة إلى إطلاق عدد من ورش العمل للحفاظ على الجودة التعليمية، مشدّداً على أهمية الالتزام بالمعايير الدولية.

تشكيل هيئة
من أجل ضمان الجودة التعليمية، لا بدّ من طرح قانون يضمنها ويؤكّد الالتزام بالمعايير الدولية. من هنا، يطرح العميد السابق في الجامعة اللبنانية الدكتور مازن الخطيب فكرة إنشاء هيئة لضمان الجودة التعليمية، شرط أن تكون محليّة لا يرعاها أو يتابعها الخارج. ويعتبر الخطيب أن الدولة مسؤولة عن القطاع التربوي عبر وزارتها. لذا من واجبها تشكيل هيئة ضمان الجودة محلياً لتقييم المستوى التعليمي في الجامعات، بما فيها الجامعة اللبنانية، من دون الحاجة للعودة إلى دول أخرى. وأكّد الخطيب على أنّ الدولة قادرة على فعل ذلك، فالموارد البشرية ذات الخبرة والكفاءة موجودة، وعلى الدولة تنظيمها وتدريبها.

والهدف الإضافي من تشكيل الهيئة ويليها مجلس الأمناء، هو تأمين التكافل بين الطلاّب وسوق العمل. ذلك لأن لبنان يشهد حالة طلاق كامل بين الطرفين بسبب غياب الخطط الاستراتيجية. وهذا التوافق يحدّ من هجرة لطلاّب، ويطلق استغلال كفاءتهم في بلدهم بدلاً من الخارج. وهذا -حسب الحلبي- يعيد الثّقة والكرامة للطلاب، بعدما خنقهم تدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية والاجتماعية.

أهمية الأبحاث
عاش لبنان أزمات كثيرة، ولكن  الأزمة الاقتصادية التي ضربته أواخر العام 2019 وتجلّت بتراجع قيمة الليرة اللبنانية أمام الدولار، انعكست سلباً بشكل غير مسبوق على القطاع التربوي. وذلك بسبب تراجع قدرة اللبنانيين في استكمال تعلمهم، والأزمات المكدّسة في الجامعة اللبنانية تحمل الطلاّب على الابتعاد عنها.

وشدّد رئيس الجامعة الأميركية في بيروت الدكتور فضلو خوري على أهمية دور الأبحاث وتمويلها. فقال إنّ ما يقارب 44 من أصل 55 بحثاً وضعت في الجامعة الأميركية، موضحاً أن ذلك غير صحيّ للقطاع التربوي. ويعني ذلك، بحسبه، أن دعم الأبحاث غير عادل، مقارناً بين اللبنانية و"القديس يوسف".

وقدّم خوري بعض الاقتراحات لإنقاذ التعليم العالي، منها السّماح للجامعات بحماية نفسها، خصوصاً في ما يتعلّق بتقاضي الأقساط بالعملة الصعبة مثل اليورو أو الدولار لعدم خسارة قيمتها. وانتقل إلى أهمية التعامل مع البنك الدولي لتأمين مبالغ مخصّصة للطلّاب في الجامعة اللبنانية والجامعات الخاصّة. وختم بتطبيق الحوكمة، مشيراً إلى ركيزتها: إيجاد الموارد اللازمة من أجل استثمارها في القطاع التعليمي.

الجامعة اللبنانية
تعاني الجامعة اللبنانية من مشاكل عدّة بسبب غياب المتابعة والمراقبة من قبل الدولة اللبنانية متمثلّة بوزارة التربية، وكذلك بسبب عدم الوفرة الماديّة.

وقال رئيس الجامعة اللبنانية الدكتور بسّام بدران إنّ الجامعة اللبنانية تتوجّه للتعلّم وفقاً للمهارات الدولية، وتعمل على الدخول في شبكة من المنصّات الدولية. كما تعمل على المساهمة في تطوير قواعد البيانات إضافة الى العمل مع الشركاء الدوليين لتطوير الوضع الاستراتيجي والعلمي.

كما أن إدارة الجامعة تبحث عن الشراكة مع وزراء التربية في مختلف أنحاء العالم للتعاون معهم لضمان هذه الشراكات والعلاقات، وكذلك التركيز على المشاريع البناءة.

التمويل الأجنبي
ويشكّل التمويل الحجر الأساس لتطوير القطاع التعليمي، لذا يقدم كلّ من الاتحاد الأوروبي والبنك الدولي، إضافة الى السفارة الفرنسية السفارات الأجنبية الأخرى تمويلات في هذا القطاع.

خلال النقاش، أكّدت ممثلة السفارة الفرنسية في لبنان أنها ملتزمة تجاه القطاع التربوي في لبنان، مشدّدة على أهمية إبقاء الشراكة والتعاون بين الطرفين. وأشادت بنظام الشهادة المزدوجة لدى بعض الجامعات والمدارس. وشددت على حرصها على التزام الدولة الفرنسية بتمويل برامج الأبحاث المتطوّرة من خلال مجلس الإنماء للبحوث والجامعات.

أمّا الاتحاد الأوروبي فيقدّم المنح والمساعدات الماديّة للطلاّب، ولا يحصر ذلك باللبنانيين، بل يوسعها إلى كافّة الجنسيات، طالما أن الطلاّب في لبنان. وتتم هذه العملية عبر برنامج  HOPES بدعم من المؤسّسة الألمانية بالتعاون مع campus France.

والبنك الدولي يعمل مع الجامعة اللبنانية لوضع خطّة استراتيجية تهتم بإدارة الجامعة، وكذلك بالتعاون مع جامعات أخرى. وهو يتواصل مع وزارة التربية لدعم هذا القطاع.

وتوسّع الموضوع إلى دعم مبدأ تخصيص دفتر للشروط من أجل تطبيق قواعد ومعايير المساءلة والشفافية. والعمل يتواصل عن كثب لمراقبة تطبيق القوانين، لأن القوانين تظل نظرية في لبنان.