"طرابيش" رياض سلامة للاقتصاص من دولارات الأساتذة

وليد حسين
الخميس   2022/11/24
اعتمد رياض سلامة سياسة تلبيس الطرابيش بدفع حوافز الأساتذة على سعر منصة صيرفة (عباس سلمان)
في ظل سياسة "تركيب الطرابيش" (كما يقال باللغة العامة لسياسة بونزي الاحتيالية) التي يعتمدها حاكم المصرف المركزي، بالتعاون مع وزارة المالية، لن يكون العام الدراسي الحالي إلا ترجمة لهذه السياسة. بمعنى أن هموم الأساتذة برواتبهم المتآكلة، وانتظارهم للحصول على المساعدات من الدول المانحة وتأخرها، ستستمر طوال الأشهر المقبلة. ما يعرض العام الدراسي إلى اهتزازات واحتجاجات، جماعية أو فردية، كما هو حاصل حالياً.

الدول المانحة والإصلاحات

سبق وأمّن وزير التربية عباس الحلبي حوافز للأساتذة العام المنصرم بمبلغ شهري قدره 90 دولاراً شهرياً لكل أستاذ. لم تدفع كلها، وما زال أساتذة كثر لم يحصلوا عليها، حتى أن أساتذة التعليم المهني سيتلقونها تباعاً، وفق المراسلات التي حصلت عليها "المدن"، بين الوزارة والمصرف المركزي. علماً أن الكلفة الكلية للحوافز هي 37 مليون دولار من قرض البنك الدولي لمشروع S2R2. أخذت حينها الوزارة عدم ممانعة من البنك الدولي لصرفها كحوافز للأساتذة، رغم أن القرض مخصص للترميم والتجهيز وتشييد مدارس جديدة وغيرها.

رفضت الدول المانحة مساعدة لبنان، في إطار الضغوط التي تمارس عليه لإجراء إصلاحات، بتأمين مبالغ نقدية لمساعدة الأساتذة من خلال حوافز مالية بالدولار النقدي، لإقناعهم بالذهاب إلى المدارس الرسمية. وتقول مصادر مطلعة أن الدول المانحة لم تقبل بصرف مساعدات أو تمويل الحوافز، في ظل وجود تمويل للوزارة في مشروع S2R2، كقروض وهبات. وهذه حال منظمة اليونيسف التي لم تجد أي دولة مانحة لتمويل خطة وزارة التربية لدعم الأساتذة. لذا لجأت حينها وزارة التربية إلى ما تبقى من قرض البنك الدولي لمشروع S2R2 (اختصاره: مشروع دعم مشروع التعليم الشامل RACE، الذي بدأ في العام 2014)، وأخذت موافقة أو عدم ممانعة من البنك الدولي، وتم تعديل قانون القرض في مجلس النواب.

دفع الحوافز
مصادر مطلعة شرحت لـ"المدن" الآلية، كاشفة أن وزارة التربية استخدمت جزءاً مما تبقى من القرض لدفع الحوافز السنة الفائتة، وستستخدم ما تبقى منه لدفع الحوافز للعام الدراسي الحالي، لكن ليس قبل أخذ موافقة البنك الدولي وتعديل القانون في مجلس النواب.
وبما أن جزءاً من القرض مخصص لترميم المدراس، ستلجأ الوزارة إلى ترميم المدارس التي حددتها مؤخراً من أموال الترميم التي قدمت للبنان بعد انفجار مرفأ بيروت، ومن منظمة اليونيسف. فما تبقى من قرض البنك الدولي لا يكفي لدفع كل الحوافز أصلاً، وبالتالي لن يتبقى منه لتنفيذ مشاريع ترميم.

طرابيش الحاكم
وبمعزل عن أن حاكم المصرف المركزي رياض سلامة دفع مبالغ كثيرة (لا أحد يعلم حجمها إلا شخص واحد في وزارة التربية) من القرض بالليرة على أسعار صرف مختلفة من 3900 ليرة وصولاً إلى 8 آلاف ليرة (لا أحد يعلم كيف بدد الأموال طالما أن القرض بالدولار).. كانت الحوافز تدفع بالليرة اللبنانية وليس بالدولار، رغم أن قرض البنك الدولي بالدولار.
اعتمد الحاكم سياسة "تلبيس الطرابيش" بدفع الحوافز على سعر منصة صيرفة. وتقوم خطة سلامة على تنزيل تسعين دولاراً بالليرة اللبنانية على سعر المنصة في حسابات الأساتذة في المصارف المعتمدة. يأتي الأستاذ ويسحب تسعين دولاراً على سعر المنصة من حسابه. وبما أن أموال قرض وزارة التربية بالدولار، يستفيد الحاكم من هامش فرق سعر صرف الدولار بين السوق الفعلي والمنصة. بمعنى آخر، في آخر تحويل قام به لأساتذة التعليم المهني على سعر 30100 ليرة لصيرفة، يدفع الحاكم 68 دولاراً من حساب الوزارة بالدولار، أي ما يوازي 90 دولاراً على سعر المنصة، موفراً بذلك 22 دولاراً، كفرق عملة. أما في حال دفع الحوافز مباشرة بالدولار (طالما حسابات الوزارة بالدولار) فعليه تحويل تسعين دولاراً لحسابات الأساتذة، من دون اللجوء إلى صيرفة. لكن عملياً يستفيد الحاكم من هذا الهامش إما لتمويل أشهر إضافية من حوافز للأساتذة أو لتنفيذ عمليات أخرى على منصة صيرفة، أو لأمور أخرى لا أحد يعلم بها إلا هو شخصياً.

احتجاج الأساتذة
سيواصل حاكم المصرف سياسة تركيب الطرابيش في العام الدراسي المقبل، في حال وافق البنك الدولي والمجلس النيابي على تحويل القرض كحوافز للأساتذة. لكن في الأثناء بدأ الأساتذة في مختلف المناطق بالدعوات للإضراب. وستصدر مواقف من مختلف المناطق تطالب بقبول الدولة ووزارة التربية حضور الأساتذة ليوم واحد في الأسبوع، كما أكدت مصادر الأساتذة لـ"المدن". فهم لم يتلقوا إلا راتب واحد الشهر الحالي ومن المتوقع ألا يصل إلى حساباتهم إلا راتب شهر واحد الشهر المقبل. وسيتم إرضاؤهم بدفع بدل النقل المتأخر منذ مطلع العام ولغاية شهر حزيران. وسيتلقون وعوداً بدفع المساعدات الاجتماعية التي خصصتها الدولة (راتبان إضافيان) في منتصف الشهر المقبل. كل هذا قبل بدء مرحلة اعتماد الرسوم والضرائب والرسوم الجمركية على سعر صرف 15 ألف ليرة للدولار، فلا إيرادات للدولة، ولا مساعدات للموظفين. وبعد رفع الرسوم ستدفع الدولة للموظف المساعدات بيده الأولى وتسحبها مباشرة من اليد الثانية، وتلقي بتبعات هذه السياسة المالية على كل المجتمع، مزيداً من الإفقار.