حين تتحول وزارة التربية إلى سلطة تعسفية

د.جنان شعبان
الخميس   2022/10/06
مطالبة بتفعيل منصة واضحة وشفافة تتيح للاساتذة معرفة الأموال المقدمة من اليونيسف(علي علوش)

 

لطالما تغنى سياسيو لبنان بالديمقراطية وحرية الرأي والتعبير، وكان آخر هؤلاء حضرة معالي وزير التربية والتعليم العالي والقاضي الإداري الدكتور عباس الحلبي، الذي أتحفنا جميعا بقراره بالطلب من المدير العام للتربية، عدم تجديد التعاقد مع السيدة (الأستاذة) نسرين شاهين، للعام 2022-2023 وللأعوام اللاحقة،  بل والذي أتحفنا أكثر من هذا القرار، هو السبب الذي تمّ لأجله، وهو إنتفاء الحاجة إلى خدماتها.

لست أدري بما كان يفكر معاليه قبل اتخاذ مثل هذا القرار، هل كان يفكر بالسهر على تطبيق القانون أم  بالإستماتة في الدفاع عن حقوق الإنسان؟.

في القانون
فأما القانون فقد أجاز لوزارة التربية (الوطنية في حينها) التعاقد بالساعة للتدريس في المدارس الثانوية لتأمين حاجاتها إلى أساتذة، من الخمسينات أقلها، استنادًا إلى نصوص قانونية سيما المادة 48 من المرسوم الإشتراعي 134/59، حيث يتمّ التعيين كما التعاقد بمرسوم بناء على اقتراح وزير التربية والتعليم العالي ضمن نطاق القضاء الذي اختار المرشح العمل فيه وفي حدود المراكز الشاغرة في مدارس القضاء.
كما ويتم التعاقد للتدريس بالساعة في مدارس مرحلتي الروضة والتعليم الاساسي وفق قانون أصول التعيين في وظيفة مدرس في مرحلتي الروضة والتعليم الاساسي في المدارس الرسمية بموجب عقد اتفاق لسنة دراسية مع وزارة التربية والتعليم العالي.

إذن فإنّ التعاقد يتم لحاجة مدرسة ما إلى أساتذة في اختصاص ما، وبالتالي فإنّ إنهاء التعاقد لانتفاء الحاجة يجب أن يتم من المدرسة التي كانت قد طلبت مثل هذا التعاقد، فهل هذا ما حصل، وكان هذا الأمر بناءً لرغبة مدير المدرسة التي تدرس فيها الأستاذة أم لرغبة شخصية للوزير؟.

وهل انتفت الحاجة لخدمات الأستاذة نسرين للمادة أو المواد التي كانت تدرسها منذ 11 سنة، بانهاء تدريس هذه المواد من المناهج؟  فإن لم يكن الأمر كذلك، فهل هذا يعني أنّ الأستاذة نسرين في الأساس كانت تشغل وظيفة وهمية تهدر المال العام، فيتحمل مسؤولية هذا الفساد والهدر للمال العام، كل من تولى سدة وزارة التربية ومهام المدير العام للتربية فيها.

تعسف السلطة
وبما أننا نتكلم عن القانون، وفي حال أراد أحدهم القول بأنّ القانون، أقرّ بأنّ التعاقد يتمّ لسنة دراسية واحدة، وبالتالي فإنه يحق لوزير التربية عدم تجديده، فإننا نجيب بأنه وإن كان التعاقد فعلا هو لسنة واحدة، إلا أنه قد جرت العادة إلى تجديده كل عام، حتى أنّ تاريخ لبنان مليء بأساتذة متعاقدين قد أضحوا في ملاك وزارة التربية بعد العمر المديد في خدمة المدرسة الرسمية، وللعلم هناك أمر قريب من هذا يحدث حتى في القطاع الخاص في عقود العمل المحددة الوقت، إذ أنّ العديد منها يجري تجديده ضمنا بعد انتهاء وقته المحدد في العقد، بل إنّ قانون العمل قد أعطى العقود المؤقتة التي تتجدد ضمنا بدون انقطاع مدة سنتين على الأقل، الحقوق التي يضمنها قانون العمل للعقود غير محددة المدة. (مادة 58 قانون العمل) بل إنّ مجرد تجديد عقد العمل المحدد المدة يحوله إلى عقد غير محدد المدة وفقا للمادة 23 من إتفاقية العمل العربية التي صدقها لبنان عام 2005. وكل ذلك لضمان حد أدنى من الحماية الإجتماعية للعمال.

أما إن لم يكن تطبيق القانون هو السبب، فهل كان معاليه مشغولًا بحقوق الإنسان، وبإحقاق الحق للأساتذة المتعاقدين، وأراد معاقبة نسرين لأنها كانت تقف حائلًا دون حرية التعبير لزملائها، ورفع أصواتهم للمطالبة بأبسط حقوقهم، براتب يضمن لهم التمتع بمستوى معيشي لائق، ويحقق لهم الحد الأدنى من العدالة الإجتماعية. أم تراه كان يريد معاقبة الفاسدين الذين تخطوا كلّ حدود الحقارة والوضاعة، على حساب حياة الناس وعذاباتهم اللامتناهية، ونسرين كانت الحائل دون ذلك؟...

رغم كلّ ذلك، حضرة معالي الوزير القاضي، إن كانت نسرين مجرمة ومهددة للأمن والسلم، فلما لم تتقدموا بدعوى جزائية ضدها، وحينها سيكون قراركم العجيب تحصيل حاصل، وإن لم يكن هناك شيء من ذلك، وهو كذلك، فنطالب العودة عن هذا القرار الظالم، قبل أن يطعن فيه أمام القضاء بتهمة التعسف باستعمال السلطة، وهو كذلك.


تفعيل منصة شفافة
كما ندعو كل من يؤمن بالإنسانية وإنقاذًا للعلم والتعليم، ورفعًا لراية حقوق الإنسان، أن يقفوا موقفًا واحدًا ضد هكذا قرارات كيدية، لا تعكس إلا ضيق صدر أصحابها من كلمة حقّ في وجه حكام ظالمين. وفي الختام، كلمة حق من الطبيعي أن تقال بصوت عال خصوصاً في ظل الأزمة الإقتصادية والمالية والاجتماعية التي نمر بها جميعا والتي اودت بكل قطاعات البلد وأهمها التربية إلى الحضيض. وبالتالي المطالبة بتفعيل منصة واضحة وشفافة تتيح للاساتذة معرفة الأموال المقدمة من اليونيسف، كذلك من اي من الدول المانحة، ان كان للطلاب اللاجئين في لبنان او للاساتذة، وضرورة الإفصاح عن طريقة توزيعها من قبل الوزير القاضي ودون اضطرار الأساتذة إلى المطالبة بها. فنحن كتربويين لطالما طالبنا بتفعيل الحوكمة الرشيدة من خلال التّخطيط والتّنفيذ والمتابعة والتّقييم المستمر، إضافة إلى اعتماد النّزاهة والشّفافية والعدالة والمساواة والمصارحة والمشاركة والمساءلة. ولكن لا آذان تصغي. نعود لنؤكد مجددا ان هذا وحده سيحقق القرار الجدّي الإصلاحي، المبني على رؤية واستراتيجّية مستدامة متينة، والوعي الوطني للنّهوض بالبلد وبالتعليم والتّربية، اضافة الى التّشريعات المواكبة، البعيدة عن الإرتجال والشّعبويّة، والتّمويل اللازم والمرشّد، واحترام التّنوّع وتعزيزه ضمن الوحدة الوطنّية والمصلحة العامّة.