أحدٌ ناعم للجنس اللطيف بمحطة بنزين زحليَّة.."حلوة يا بلدي"

لوسي بارسخيان
الأحد   2021/09/19
حصر تعبئة البنزين بالسيدات اللواتي حصلن على قسائم مسبقاً (لوسي بارسخيان)
اجتاح  الجنس اللطيف محطة صادر لتعبئة البنزين في زحلة، في "عملية انتقام" من أيام الذل والاستقواء واللاعدالة التي مرت على النساء منذ بداية أزمة البنزين، في محاولتهن التنافس على خراطيم المحطات والتزاحم الفوضوي الهائل والعنيف عليها، وكذلك السلبطة والتمييز ضد النساء.

مبادرة "حلوة يا بلدي"
وجاء الإجتياح – الاحتجاج النسائي عن سابق تصميم وتصور، "بالتواطئ" بين جمعية "حلوة يا بلدي" وصاحب المحطة سمير صادر، الذي إلى جانب "إعجابه باسم الجمعية" كما قال، يثق بها. ولذلك فتح محطته استثنائيا في أيام الأحد للسيدات فقط، وسلمهن خراطيمها، لإدارة عملية تعبئة البنزين. ووفقا لصادر "المرأة اللبنانية، إلى جانب مسؤوليتها عن عائلتها، هي أيضًا امرأة عاملة، تتحمل ضغوطاً كبيرة على محطات البنزين بسبب اضطرارها أحيانا إلى انتظار ساعات كي تملأ خزان سيارتها بالبنزين. مع ما يحمله ذلك من إمكان تعرضها للمشاكل والألفاظ النابية. ولذلك وافقت أن نفتح المحطة في يوم الأحد، الذي يعتبر يوم فراغ لهن، لرصد ملاح الفرح والابتسامة على وجوههن بعد كل عملية تعبئة".

وليست الأزمة التي يمر بها لبنان سهلة على كل اللبنانيين، فكيف الحال على السيدات، والعاملات منهن خصوصا، اللواتي تضطررن أحيانا لتمضية يوم كامل بعيداً عن عائلاتهن بهدف ملء خزان السيارة، وإذا نجحن يكون ذلك بشق النفس، وبعد تحملهن كل أنواع "المطاحشة" والألفاظ النابية والعصبية الذكورية التي تعكس سقوط الروادع الأخلاقية والشعور بالتعاطف الإنساني مع الآخر، أيا كان هذا الآخر.

وانطلاقا من هذا الواقع ولدت فكرة جمعية "حلوة يا بلدي"، التي تلمست حجم الضيق الذي تتعرض له النساء في محطات البنزين، فأطلقت شعار "فولت (امتلأت) معك (أي بالغضب) فوليها (املئيها) من عنا (السيارة)". وانطلقت المبادرة من زحلة أولاً، على أمل تكرارها في المناطق، وصولا الى تكريس يوم أو يومين في الأسبوع للسيدات فقط على المحطات.

قسائم ومنظِّمات
التجربة هي الأولى كمبادرة نسائية على محطات البنزين. ومن الطبيعي أن تشوبها هفوات وعراقيل، ارتبط أحدها بانقطاع التيار الكهربائي. لكن وفقا لرئيسة الجمعية فاطمة الحاج شحادة  يمكن أن تشكل الأساس الذي يمكن البناء عليه لمبادرات أخرى مستقبلاً.

وقد سارت العملية وفقا لنظام حددته الجمعية: حصر تعبئة البنزين بالسيدات فقط، وممن حصلن على قسائم مسبقاً، لضمان حسن الإدارة، ومنع الاكتظاظ وتسريع وتيرة التعبئة. وعليه بدا صعباً جداً لرجل أن يخترق صف السيدات المكتظ على باب المحطة، باستثناء من حضر منهم مسانداً لزوجته.

وقد رفضت حاج شحادة أن يعتبر تخصيص اليوم للسيدات نوعاً من التمييز على محطة البنزين، مشيرة إلى أن السيدة يجب أن تكرَّم على إنجازاتها، بينما التمييز يقع على المحطات، حيث لا تعامل بشكل يليق بها منذ بداية أزمة البنزين. وهناك نزعة لاستضعافها ومنعها أحيانا من الوصول إلى خراطيم البنزين في الوقت المناسب.  

وفقا لشحادة: "شعرنا أن النساء تعرضن للكثير من قلة الاحترام على المحطات، وعدم التعاطف مع ظروفهن كعاملات. ولذلك رأينا أننا لا يجب أن نبقى صامتات، ومن هنا ولدت المبادرة".

وحرصت الجمعية على تأمين القسائم مسبقاً لكل سيدة طرقت بابها، مع مراعاة كمية البنزين المتوفرة في المحطة، وأوقات تقنين الكهرباء التي لا تسمح بتشغيل خراطيمها. وقد بلغ مجموع عدد السيدات المتلهفات لملء خزانات سيارتهن نحو 1200 سيدة. في المقابل أظهرت المتطوعات العاملات على تنظيم توزيع البنزين ميدانياً، إصراراً على التقيد بالمعايير والشروط الموضوعة. فرفضن ملء أي سيارة لا تحمل صاحبتها قسيمة، أو إذا لم تكن السيارة مسجلة باسم صاحبة القسيمة.

المرأة أكثر تنظيماً
ومع ذلك حاولت سيدات، انطلاقا من هويتهن الجندرية، الاستفادة من هذا اليوم.. فسجلت خروقات تسبب بها العاملون الرجال في المحطة، "ذوباناً" حيال دموع سيدة انتظرت طويلا، أو عجزت عن الحصول على قسيمة أو غيرها من الأسباب.

وانطلاقا من ذلك رأت ريما العبدالله نائبة رئيسة الجمعية، أن المشكلة التي ظهرت من خلال محاولة البعض خرق القيود التي وضعت لهذا اليوم، هو غياب دولة المواطنة. فنحن "نميل – بحسبها - لأن لا نلتزم بالقوانين. وهذا سبب أساسي من أسباب الفوضى التي نشهدها على المحطات. بينما يفترض في الأزمات أن تنصب القدرات الإنسانية على التخفيف من الضغوط الاجتماعية التي نعيشها".

ورأت العبدالله أن هذه التجربة هي الأولى "لنرى كيف يمكننا أن نحتكم إلى النظام انطلاقا من ذواتنا. وقد أظهرت النساء أنهن  أكثر احتراما له عموما. حتى لو كانت العقلية السائدة هي الاستئثار في بعض الاحيان".

ويظل الأهم أن المرأة تبقى أقل عنفاً واستخداما للألفاظ البذيئة في الظروف التي نمر بها. فهي قد تلجأ إلى أساليبها الناعمة لبلوغ حاجتها. وحتى في حالات توترها وغضبها تحافظ على الاحترام في التعامل مع الآخر. وهذا ما نفتقده على محطات البنزين.

خلاصة الأمر وباعتراف صادر الذي تعايشت محطته مع الفوضى المرافقة لتشغيل الخراطيم يومياً، فقد "بدت المرأة في هذا اليوم أكثر تنظيما من الرجال"، على أمل أن لا يسود التمييز على محطات البنزين طويلاً.