أيطاليا أحرص على بيئة زحلة والليطاني من حكام لبنان

لوسي بارسخيان
الأحد   2021/05/16
شُغِّلت المحطة سنة 2017 تحت وطأة مقاطعة الانتخابات أو التصويت ضد الطبقة الحاكمة (لوسي بارسخيان)
نجت زحلة ومجرى نهر الليطاني من أزمة جديدة: انفجار المجارير، في حال توقف محطة تكرير مياه الصرف الصحي، والذي بدا محتماً منذ بداية العام الجاري. وهو تاريخ انتهاء عقد المشروع الممول من "التعاون الإيطالي"، لتشغيل المحطة في زحلة. وحدثت النجاة بعد البشرى التي حملتها نائب وزير الخارجية والتعاون الدولي مارينا سيريني خلال زيارتها لبنان: "مواصلة دعم إيطاليا المشروع، والبحث عن حلول ممكنة بالشراكة مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، للاستمرار في تشغيل المحطة ومعالجة مياه الصرف الصحي".

دولة العجز
فعلتها إيطاليا وأنقذت زحلة ومعها الليطاني من ضياع محطة تكرير الصرف الصحي في زحلة، بعد نحو أربعة سنوات من بدء تشغيلها عبر شركة "سويز" الإيطالية. وفيما كان يفترض أن تتسلم السلطات اللبنانية المحطة من الشركة الإيطالية، فإن الأزمة المالية التي ضربت البلاد، لا تسمح لميزانية الدولة بتمويل عملية تشغيل المحطة لتديرها مؤسسة مياه البقاع.

وكانت الأزمة مدار بحث في الأشهر الأربعة الأولى من السنة. ووافق الطرف الإيطالي على تمديد تمويله للمشروع خلال شهري كانون الثاني وشباط الماضيين. ولكن عندما وصل الأمر إلى مسؤولية الدولة اللبنانية لإيجاد مصادر تمويل للأشهر اللاحقة، تخلفت وزارة المالية عن توجيه الكتاب الرسمي المطلوب للبنك الدولي لتأمين قرض بنفقات الأشهر الستة اللاحقة في السنة.

وحسب المعلومات وافق البنك الدولي مبدئياً على القرض. لكن ذلك لم يترجم عمليا حتى الآن، بسبب تخلف وزارة المالية عن طلب القرض رسمياً.

والمفاوضات التي أجرتها السلطات الإيطالية مع المعنيين اللبنانيين، أدت إلى استنتاجات حول العجز التام لدى مؤسسة مياه البقاع عن تسلم إدارة المحطة وتشغيلها في لفترة اللاحقة.

وأعلنت مؤسسة مياه البقاع ذلك صراحة في بيان صدر عنها بداية العام الجاري: "لا تملك المؤسسة الكادر البشري لإدارة وتشغيل هذه المحطات، وفق المواصفات المطلوبة وطنياً وعالمياً. واقعها المالي يجعلها تقف عاجزة أمام كلفة التشغيل العالية. علما أن كلفة عقد التشغيل الموقع مع الشركة الإيطالية تجاوزت مليوني دولار".

مآسي الليطاني الدائمة
وأصر رئيس مجلس إدارة المؤسسة رزق رزق على رفض تسلم المشروع قبل أن تؤمن الوزارات المعنية التمويل اللازم. أما الدولة اللبنانية فلا يبدو أن محطة زحلة من أولوياتها. وهذا ما جعل الجهات الإيطالية تلمس "مخاطر" توقف هذه المحطة بعد تسليمها للدولة اللبنانية، بعدما ولدت سنة 2003 ولم تشغل حتى سنة 2017.

وهذا يعني عمليا إغراق الليطاني بكمية لا تقل عن 18 ألف متر مكعب من المياه الآسنة يوميا، تضاف الى كميات الصرف الصحي الناجمة عن 69 بلدة بقاعية تصب مجاريرها مباشرة في فيه، وفقا للتقرير السنوي الصادر عن المصلحة الوطنية لنهر الليطاني سنة 2020.  

وأبدت السلطات الإيطالية حرصا أكبر على مشاريعها وديمومتها في لبنان، من دولة لبنان. وفي هذا الإطار زارت سيريني محطة تكرير زحلة وقالت: "هذه المحطة تمثل استثمارًا مهماً للتعاون الإيطالي. بنتها شركة إيطالية رائدة ويستفيد منها أكثر من 200 ألف لبناني يعيشون في هذه المنطقة. وهي تعتبر المحطة الوحيدة العاملة في لبنان وفقا لتقنية المعالجة الثلاثية، وتشكل عنصرا أساسيا لحماية البيئة وصحة السكان. وهذان قطاعان يكتسبان أولوية في سياستنا التنموية".

وأضافت سيريني: "أنا هنا لأقول إن إيطاليا لن تتخلى عن لبنان في هذا المنعطف الحرج، ولن تتخلى عن زحلة وعن هذه البنية التحتية العالية الأداء. نحن ملتزمون والتزاماً ثابتاً وطويل الأمد". وأكدت سيريني على أن السلطات الإيطالية تتوقع من السلطات اللبنانية "اتخاذ الخطوات اللازمة لضمان أنها ستتحمل، في الوقت المناسب، مسؤوليتها الكاملة في تشغيل المحطة وصيانتها".

وتستمر السلطات الإيطالية بتمويل المشروع لما اصطلح على تسميته "مرحلة التسليم التشغيلية" والمتوقع استمرارها ثلاث سنوات إضافية، بالشراكة مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، والذي يتوقع أن يجري التزامات جديدة مع مشغلين للمحطة.  

المفاوضات مع برنامج الأمم المتحدة لم تنته بعد. لكنها باتت شبه مؤكدة. ما يعني أن المحطة تبقى شغالة خلال هذه السنوات. وهي تشكل "فترة سماح إضافية للدولة اللبنانية" علها تنجح باستعادة رشدها في إدارة شؤونها في أبسط الأمور.

واستمرار تشغيل المحطة بتمويل إيطالي ينقذ نحو 37 مليون دولار من الهدر، هي كلفة منشآت المحطة. ويجنب القرى التي تقع أدنى من مستوى زحلة ومحطتها، تدفق مياه المجارير عليها. وخصوصاً بر الياس والمرج، اللتين لم تشغّل المحطة سنة 2017 إلا تحت وطأة صرختهما الملوحة بمقاطعة الانتخابات أو التصويت ضد الطبقة الحاكمة حالياً، ما لم يصار إلى رفع ضرر مجارير زحلة عنهما.

محطات للهدر
وتوقف المحطة يعني تفاقم الضغوط البيئية على الليطاني ومصبه في  بحيرة القرعون، حيث بلغت نسبة التلوث حد نفوق أسماك "الكارب" التي طافت بالاطنان على شواطئها في الأسابيع الماضية، في أسوأ كارثة بيئية شهدتها البحيرة منذ نشأتها.  

والمحطة، وفقا لتقرير صادر عن المصلحة الوطنية لنهر الليطاني، هي الوحيدة التي تعمل حاليا بشكل فعال. أما المحطات الأخرى الملحوظة للمنطقة في خطة بقيمة 55 مليون دولار، فتوفرت عبر قرض من البنك الدولي، لكنها تظهر هدراً لهذه الاموال في مشاريع اما لم تنجز كمحطتي تمنين والمرج، أو أن ما أنجز منها لم يعمل إلا جزئيا كمحطات عيتنيت وصغبين، أو تعاني مؤسسة مياه البقاع صعوبة في إدارتها كمحطات جب جنين وابلح والفرزل وايعات، والأخيرة لا تعمل بالمواصفات المطلوبة.

وفي جميع هذه المحطات يتحدث التقرير عن عيوب في الدراسات والتصاميم وسوء التنفيذ وعدم استدامة تشغيل المحطات، بفعل الحاجة الى مصادر هائلة من الطاقة وعدم توفر القدرات الفنية والمالية لتشغلها مؤسسة مياه البقاع.

وهذا  ما يرفع الحجم التقريبي لكميات الصرف الصحي المتدفقة  في نهر الليطاني إلى حوالى 46 مليون متر مكعب سنويا، تصب في النهر مباشرة أو تتسرب إلى المياه الجوفية.

شكلت محطة زحلة منذ سنة 2017 البقعة المضيئة الوحيدة في واقع كاد يجرفها بظروفه النتنة. وجاء خلاصها على يد الدولة الإيطالية، في انتظار أن يأتي من ينقذ اللبنانيين من المستنقع الأكبر الذي أغرقتهم فيه الطبقة السياسية الحاكمة.