الجامعة الأميركية آخر قلاع لبنان.. "يا عيب الشوم"

ياسر هلال
الأربعاء   2021/05/12
مستشفى الجامعة الأميركية لم يقفل يوماً حتى في عز الحرب الأهلية (مصطفى جمال الدين)

لن نتجرأ على التعرض لقرار نقابة الأطباء بالإضراب، خوفاً من بطشها ونحن في أرذل العمر. ولكن نتجرأ على الجامعة الأميركية في بيروت وبقية المستشفيات الكبيرة، من موقع عدم الخوف منها والحرص عليها. فنسأل من هو العبقري الذي اتخذ قرار المشاركة في الإضراب لمواجهة قضية إنسانية تتعلق بإمكانية وجود خطأ طبي في معالجة الطفلة إيلا طنوس.

هل يعرف هذا العبقري أن مستشفى الجامعة لم يقفل يوماً حتى في عز الحرب الأهلية، حين كان الأطباء يجرون العمليات الجراحية في قسم الطورائ تحت تهديد السلاح والمسلحين، مضحين بكراماتهم المهنية والشخصية على مذبح انسانيتهم، وعلى مذبح رسالة الجامعة الأميركية كحصن منيع للعلم والطب والثقافة، بعيداً عن النزاعات السياسية والفوارق الاجتماعية، والأهم، عن المكاسب المادية.

كيف قرر هذا العبقري أن تخوض الجامعة الأميركية معركة ضد القضاء. وليطالب المتحدث بإسمها على شاشات التلفزة "بإلغاء الحكم القضائي.. أو تخفيض قيمة الغرامة المالية".. تحت طائلة استخدام سلاح الإضراب -نعم الإضراب- أي التوقف عن استقبال المرضى، وتركهم يواجهون عذابات الألم والموت. ولتصبح المقاربة أشبه بعملية خطف رهائن مقابل فدية مالية. وكيف تناسى أن الأطباء في أميركا والدول المتقدمة تصدر بحقهم مئات الأحكام القضائية، من دون أن يلجأوا إلى الإضراب وتهديد حياة المرضى.

نحن لسنا أطباء للخوض في صحة وجود خطاً طبي في حالة الطفلة إيلا طنوس، ولسنا قضاة لمناقشة حكم قضائي. ولكننا رأي عام، مواطنون نعرف معرفة اليقين بعض الحقائق وأهمها:

- أن الأزمة السياسية في لبنان، بأسبابها ومجرياتها ونتائجها، سببها الطبقة السياسية، إذا لم نقل مفتعلة ومخططة سلفاً. وأن الانهيار الاقتصادي والمالي هو أيضاً مفتعل ومقصود، وأن الخطر الكبير الماثل هو حصول انهيار اجتماعي وأخلاقي وإنساني، وانهيار المؤسسات، بما يؤدي إلى نهاية لبنان الكيان والدور الذي نعرفه، لصالح لبنان آخر لا نعرف شكله ولا من يشكله.

- ضرورة الدفاع المستميت عن المؤسسات التي يمكن الرهان عليها لقيامة لبنان، مثل الجامعات والمستشفيات، لأن الانهيار إذا تجاوز أسوار الجامعة الأميركية واليسوعية وغيرها،  يكون لبنان قد وصل فعلاً إلى "جهنم". وعندما تقفل مستشفيات الجامعة والروم وأوتيل ديو أبوابها، تكون قد أصيبت بفيروس الفساد اللبناني، وفقدت مناعتها وربما مبرر وجودها.. لصالح "جامعة أميركية ويسوعية " أخرى لا نعرف شكلها ولا من يشكلها. فهذه الجامعات والمستشفيات هي أحد الرموز المهمة لهوية لبنان ودوره.

- ضرورة الدفاع عن نقابات عريقة كنقابتي الأطباء والمحامين والمهندسين، وتجنب أن تتحول إلى "جمعيات شعبوية" تنصر كل عضو فيها "ظالماً كان أو مظلوماً" لأن ذلك سيساهم في إيصال لبنان إلى "جهنم"، بل وتقوم هذه النقابات بحفر قعر "جهنم" بحثاً عن قعر أعمق وأشد سعيراً. ودعوة نقابة الأطباء للإضراب، لا تقل عن غزوات نقيب المحامين المقدام للمخافر لتحرير عضو في النقابة تعدى بالإهانة والضرب على قوى الأمن الداخلي. فهذه النقابات كانت يوماً من الأيام كما الجامعات رمزاً مهماً لهوية لبنان ودوره. وإذا شاء رؤساء النقابات المهنية "الشغل بالسياسة"، فذلك حقهم، ولكن ليختاروا مطية أخرى غير النقابات لممارساتهم الشعبوية.

- نفهم على مضض في هذا الزمن الأغبر أن تعتمد نقابات مستوردي الأدوية والمستلزمات الطبية والمستشفيات، كل أساليب "الفهلوة" والابتزاز والضغط للفوز بأكبر قدر ممكن من أموال الدعم، لتكديس الأرباح على حساب ودائع الناس وأوجاعهم. ولكن ما يصعب فهمه أن تعتمد نقابة الأطباء والمستشفيات العريقة هذه الأساليب، ولتتحول قيمة الغرامة في الحكم القضائي إلى القضية المركزية، وليس الحكم نفسه. يعني لو كانت الغرامة 10 آلاف دولار، أو لو قبل والد الطفلة بالتسوية المعروضة عليه من النقابة، "كان مشي الحال؟"... يا عيب الشوم.

بعيداً عن الملابسات الطبية والقانونية لهذه الملاك المظلومة "قضاءً أو قدراً"، فليتذكر القائمون على ما تبقى من مؤسسات مثل الجامعة الأميركية وبقية الجامعات والمستشفيات والنقابات المهنية، أنهم سيكونون أول ضحايا انهيار لبنان. فلن يكون لهم مكان ولا دور في ذلك اللبنان الهجين الذي قد يتشكل على أنقاض مؤسساتهم. فليبادر من يحفظ جيداً درس دور لبنان وهويته إلى وقف جريمة إضراب الأطباء والمستشفيات.