الزواج صار مستحيلاً في لبنان

صفاء عيّاد
الخميس   2021/03/04
حفل العرس بات ترفاً لا يقدر عليه إلا قلة من الأثرياء (Getty)
كيف يمكن لشخصين تأمين تكاليف الزواج في بلد لا يتجاوز الحد الأدنى للأجور فيه 70 دولاراً، فيما يلامس سعر صرف الدولار عشرة آلاف ليرة لبنانية؟

فالمقبلون على الزواج واقعون بين فكي كماشة الذهب والدولار، بعدما بات الزواج في لبنان لمن "استطاع إليه سبيلاً". وأصبح شراء  خاتم الزواج (المحبس) من كبرى الأمنيات، ويصل ثمنه مع طقم ذهب إلى بين 500 و2000 دولار. والدفع بالدولار أو بالليرة وفق سعر صرف السوق السوداء. الواقع الاقتصادي الجديد، وإلغاء فكرة التقسيط، وتوقف خدمة القروض المصرفية بعد انهيار القطاع المصرفي، ضيقت الخناق على المقبلين على الزواج.

البيوت وتأثيثها
فهذا الشاب، بشير ضاهر، يحضّر لزفافه في الصيف المقبل، ويقول إنه من الصعب الوصول إلى نهار زفافه وإنهاء تأثيث منزله. منذ أشهر يدخر لشراء الأدوات الكهربائية، كالتلفزيون والبراد والغسالة بحدود 3 آلاف دولار من الماركات الصينية. أما تكاليف البلاط والأدوات الصحية التي يحتاجها منزله فتبلغ 12 ألف دولار.

وقد تبدو حال بشير ضاهر أفضل ممن أقدموا على تأجيل الزواج، لعدم قدرتهم المادية على دفع تكاليف تجهيز المنزل، كحال سناء حمود، التي كان من المفترض ألا تتجاوز فترة خطوبتها السنة. لكنها مددت لحين ثبات الأحوال الاقتصادية. فراتب خطيبها  أصبح مئتي دولار. ولا يمكنهما استئجار منزل لسكنهما، و"ينتظران الفرج"، حسبما تقول.

بعض المرتبطين بخطوبة قرروا تحضير منزلهم الزوجي خطوة خطوة، كحال فاطمة عبدالله المرتبطة منذ عام ونصف. وهي تقول إن عملية دهان المنزل تكلف 25 مليون ليرة لبنانية، والأثاث كلفته قرابة 50 مليون ليرة. هذه الأسعار للنوعية الأرخص في السوق. وهي تتردد في تحديد موعد للزفاف بسبب عدم اكتمال تجهيزات المنزل. 

أما في حال عدم وجود منزل يملكه المقبلون على الزواج ويجهزونه، يبقى اللجوء للإيجار معضلة أخرى. فأدنى إيجار منزل في ضواحي بيروت يبلغ بين 750 ألف ليرة ومليون ليرة. في حين يطلب بعض السماسرة دفع الإيجار بالدولار الأميركي.

صرخة قطاع المفروشات
وصرخة المرتبطين الموشكين على الزواج تقابلها صرخة أصحاب المهن الحرة. فمحمود سلمان صاحب معرض للأثاث، يقول إن الطلبات التي تلقاها منذ عام لتحضير أثاث للمنازل، جاءت من  مغتربين، لا من لبنانيين مقيمين، وقد تراجعت المبيعات تراجعاً كبيراً يهدد بانهيار قطاع صناعة الأثاث المنزلي وسوقه التجاري. وبحسبه لا يمكن لموظف في الإدارات العامة والأجهزة العسكرية والجيش أن يتحمل كلفة أثاث منزلي. فالأسعار بالدولار، ولا إمكان للتقسيط. وصالون وغرفة نوم وغرفة جلوس تترواح كلفتها بين 10 آلاف دولار و 15 ألف دولار. فمن يملك هكذا مبالغ اليوم سوى المغتربين؟

بدوره مصطفى مقبل صاحب محل أدوات كهربائية، يلفت إلى أن الزبائن أصبحوا يطلبون منه أدوات كهربائية مستعملة لمنازلهم، تصل قيمتها إلى 1500 دولار. أما الأدوات الجديدة فتترواح أسعارها بين 3500 دولار و10 آلاف دولار. ولا إمكان للتقسيط. كما يلفت مقبل إلى انعدام المبيعات بسبب الإقفال العام حسب الإجراءات التي فرضها انتشار كورونا والانهيار الاقتصادي.

نهاية الترف
وبعملية حسابية صغيرة يحتاج المقبلون على الزواج بين إيجار منزل، وتحضير أثاث وأدوات كهربائية، إلى قرابة 30 ألف دولار بالحد الأدنى. فمن يمكنه دفع هذا المبلغ في الوقت الراهن، فيما تستفحل الأزمة الاقتصادية أكثر فأكثر؟

وأصبح الحديث عن إقامة عرس ترفاً، كتنظيم حفل زفاف وقضاء شهر عسل وحفلات توديع العزوبية التي كانت تكلف بالحد الأدنى 25 ألف دولار. لقد انتهت هذه العادة بسبب أزمة كورونا والانهيار المالي والاقتصادي. وهي تبقى حكراً على طبقة الأثرياء.

في المحصلة، يبدو أن الأزمة في لبنان لا تزال تخفي أجزاء كبرى منها. وإلى حين إظهار الحقائق والأثار، نكون أمام تغيرات في نمط العيش ستطال كافة النواحي الاقتصادية والاجتماعية، وليس أمام اللبناني إلا تقديم التنازلات والانحناء أمام العاصفة، أو أن المؤسسة الزوجية مصيرها الاندثار.