الشقاق بين "عوائل" الشيعة وسائر الأهالي.. نكاية بالبيطار

نادر فوز
السبت   2021/10/30
انقسام أهالي الضحايا لا يهمّ طالما أنّ الحظيرة بخير والمسافة آمنة مع باقي الحظائر المذهبية (Getty)
بات لشهداء وضحايا انفجار مرفأ بيروت "عوائل". واستخدام التعبير الأخير دلالة لا لبس فيها على حاضنة أو عباءة لبعض عائلات الضحايا المنشقّين عن تجمّع الأهالي منذ 4 آب 2020. وفي هذا الإطار، لا ينفع تأكيد إبراهيم حطيط، شقيق الشهيد ثروت حطيط، على أنه "ليس لنا غطاء من أحد". عنوان المؤتمر الصحافي، صيغته، موقفه، انشقاقه، مكان إقامته، كله يؤشّر إلى حاضنة وعباءة تقول وتؤكد منذ أكثر من أسبوعين إنّ شقّ وحدة صف أهالي مجزرة المرفأ مدرج على جدول الأعمال. ولو كان الشقاق بهذا التزمّت والهوية المذهبية. فمن يعيث الشوارع ضرباً وبطشاً وبلطجة بعنوان "شيعة شيعة"، لا تتوقّف أموره عند تفصيل مماثل. الموضوع أشبه بشربة ماء، لا يعكّر ضمير صاحبه ولا يستوجب التوقف عنده حتى.

ضحية تُجلد
قيل الكثير عن كون إبراهيم حطيط ضحية ضغوط وترهيب. هو رجل آثر الحضور إلى كل الاجتماعات والتحرّكات الخاصة بمجزرة 4 آب. فعلياً، كان سبّاقاً في التحرّك وصياغة البيانات وتلاوة المواقف. كان وجهاً من وجوهها الأولى. هو ضحية أولى بفعل الانفجار، إذ خسر ثروت. هو ضحية ثانية بفعل البطش الذي تعرّض له الأهالي في مناسبتين على الأقلّ. هو ضحية ثالثة بفعل الدور الذي يلعبه اليوم كرأس حربة شق صف الأهالي. في الدور الأخير، ضحية ترتكب الجلد أيضاً. له في انفجار المرفأ ما لسواه من ذوي الضحايا والشهداء. لا نقاش في ذلك. لكن في حركته ومآربه وشخصيته الجديدة، حق كامل، لا بل واجب أخلاقي، لانتقاده.

المسافة الشرعية
في انشقاق إبراهيم حطيط، ومعه العدد المحدود جداً من ذوي الضحايا، ترجمة لسياق سياسي معتمد ومكرّس في البلد. ثمة شريحة سياسية واجتماعية كبرى ووازنة تفرض الشقاق. تريد التميّز بكل شيء. بالموقف، بالسلاح، بالممارسة، بالتوجّه، بأسلوب الجوع وبالتضحية وعنوانها. تريد التميّز حتى في التعابير، بـ"عوائل" بدل عائلات. زراعة أسطح بدل تصدير. توجّه شرقاً بدل انفتاح على العالم. سلاح بدل حوار. قمصان سود بدل تصويت وزاري أو نيابي. تكليف شرعي بدل انتخابات. قرضٌ حسن بدل مصارف. بطاقات اجتماعية خاصة بدل أخرى عامة. وفي كل ذلك تأكيد على شقاق مع سائر المكوّنات. ليس في كل هذا سعي إلى ضمان خصوصية أو هوية، بل تكريس للتعبئة وحدود الحظيرة المذهبية. تحديد للمسافة السياسية والاجتماعية بين أبناء الطائفة الشيعية وسائر المكوّنات الأخرى. كأنه ثمة مسافة شرعية مفروضة لا يجب تخطّيها.

نسف تحقيق البيطار
من عنوان نسف عمل المحقق العدلي في ملف انفجار مرفأ بيروت، أطلق حطيط أمس "اللجنة التأسيسية لعوائل الشهداء". نقل فحوى أحد اجتماعاته أو اتصالاته بالقاضي طارق البيطار، "فأكد لي أنّ الأمور باتت واضحة لديه، وهو يملك أجوبة أكيدة حول مصادر نيترات الأمونيوم وكيفية وصولها وأصحابها وكيفية حصول الانفجار، وهي تماماً ما نريده كعوائل شهداء". اتهم القاضي بأنه "أدخل القضية في دهاليز المصالح السياسية وتسبّبت بانقسام عامودي بين الشعب اللبناني، وسالت دماء أبرياء الطيونة". وانضمّ إلى الأخير شقيق آخر شهداء المرفأ، عباس مظلوم الذي توفى قبل يومين بفعل تبعات إصابته في الانفجار. اسم شقيق عباس غير معروف، لكن رسالته بثّتها إذاعة النور. فقال إنه "ليس لدينا ثقة بالقضاء، ومصيبتنا أنه على القاضي شبهات ونريد من يساعدنا في موضوع تغيير القاضي المكلّف وفي موضوع 5 أطفال بحاجة إلى الرعاية".

هلاك اللبنانيين
وفي ترجمة سياسية لكل المواقف السابقة، أعاد اليوم عضو كتلة الوفاء للمقاومة، النائب حسين الحاج حسن، التأكيد على موقف حزب الله من القاضي طارق البيطار. سأل "مش شايفك يا حضرة القاضي مركّز على موضوع من أتى بالنيترات إلى لبنان من جورجيا، ولا على الشركة المستوردة والسفينة التي نقلت الحمولة وكيف غرقت، تلاحق المهملين في ما بعد دون ملاحقة بمن أتى بالنيترات"؟ في البلد، ثمة طبقة سياسية اعتادت على تسيير الأمور كما تشتهيها. تضع الخطط والسياقات والمسارات، وتعيّن موظفين مسؤولين عن التنفيذ، فتؤدي بالجميع إلى التهلكة. الواقع العام في البلاد، في السياسة والمؤسسات والمال والاقتصاد، يؤكد هلاك اللبنانيين.

هلك اللبنانيون، جاعوا، أنّوا وجعاً أو جوعاً أو من فقدان الدواء، غرقوا في العتمة أو النفايات، لا همّ. قُتلوا أو فُجّروا وذهبت حقيقة من قتلهم وفجرّهم أدراج الرياح، لا يهمّ. المهم أنّ الحظيرة بخير. أنّ حدودها مضبوطة. أنّ المسافة بين غيرها من الحظائر والمراعي آمنة. المهم إقفال حدود الحظيرة علينا، ومن ثم القول "إننا محاصرون"!