مستشفى طرابلس مستنفراً: هجوم كورونا واستهتار السكان

جنى الدهيبي
الثلاثاء   2020/08/04
عدم التقيد الشامل بوضع الكمامة أثناء التنقل في الأسواق (علي علّوش)

مع انتشار فيروس "كورونا" بوتيرة تصاعدية في لبنان، تتجه الأنظار إلى الطاقم الطبي، وكلّ العاملين في هذا القطاع، بعد أن صاروا مهددين بأرواحهم جراء التزايد المطرد في احتمال التقاط العدوى. وهو ما أودى بحياة الممرضة زينب حيدر في مستشفى الزهراء في بيروت، وقبلها الطبيب الشاب لؤي اسماعيل.  

شمالًا، ورغم تسجيل عدد لا بأس به على لائحة المصابين بكورونا، لا سيما في القلمون والضنية ومختلف مناطق عكار، يبدو أنّ الوضع الصحي ما زال تحت السيطرة الطبية. غير أن المقلق في الأمر، أنّ مناطق الشمال عمومًا، وتحديدًا طرابلس، تشهد حالة من التفلت وعدم الانضباط بإجراءات التعبئة الجزئية، والتدابير الوقائية اللازمة، بدءًا من عدم التقيد الشامل بوضع الكمامة أثناء التنقل في الأسواق، وداخل المتاجر الغذائية.  

ملجأ الفقراء
لكن، وسط هذه الأزمة، تقف "مستشفى طرابلس الحكومي" صمام أمان، أقلّه حتّى الآن، بما تمتلكه من تجهيزات ومقدرات متواضعة، قد لا توازي حجم مخاطر انتشار الوباء، والكثافة السكانية شمالًا. هذه المستشفى التي بدأت عملها منذ العام 2007، التي تتألف من ثلاثة طوابق مع طابق أرضي وعيادات خارجية وقسم للطوارئ، كانت وما زالت ملجأ عشرات آلاف الفقراء والمحتاجين من طرابلس ومحيطها، الذين لا يملكون ترف الدخول إلى المستشفيات الخاصة، ولا يتمتعون بأيّ نوع من التغطية الصحية.  

ومع الواقع الذي يقول أن كورونا إلى تمدد لا إلى الانحسار، وسيبقى ملازماً لحياتنا لفترة طويلة على الأرجح، إضافة إلى الواقع الذي يقول أن طاقة مستشفياتنا على الاستيعاب بدأت تنفد، يأتي السؤال: كيف تواجه المستشفى الحكومي في طرابلس وباء "كورونا"؟  

حاليًا، تستقبل المستشفى نحو 12 إصابة بالفيروس، تقدّم العلاج لأصحابها. وقد جاءوا من طرابلس والضنية والكورة والقلمون، بينما في الفترة الأخيرة لم تكن تضم أكثر من 5 إصابات، وفق ما أشار مدير "المستشفى الحكومي في طرابلس"، الدكتور ناصر عدرة، في حديث لـ"المدن". يبدو أنّ عدرة متفائل بعملية تجهيز المستشفى، التي تستقبل تمويل التجهيزات مؤخرًا من جمعية المصارف ووزارة الصحة، وقبل ذلك من الجمعيات الأهلية في طرابلس.

الـPCR وأجهزة التنفس
اليوم، وفق الدكتور عدرة، يوجد في المستشفى 32 سريرًا عاديًا لمرضى "كورونا"، و5 أسرة للعناية الفائقة، و11 جهازًا تنفسيًا: "كما أنّ المستشفى موعودة بالحصول على 4 أجهزة تنفس من المفوضية العليا للاجئين السوريين، وسبق أن وعد وزير الصحة في الزيارة الأخيرة للمستشفى الأسبوع الفائت بتقديم 6 أجهزة إضافية".  

تواجه "مستشفى طرابلس الحكومي" يوميًا ضغطًا كبيرًا في استقبال الحالات التي تطلب إجراء فحص الـPCR، لا سيما أنّ هذا الفحص يتوفر فقط في كل من مستشفى المظلوم وهيكل الخاص، بكلفة مالية عالية. ويشير عدرة أنّ معدل الفحوص يوميًا في حكومي طرابلس، يتراوح بين 150 و200 فحص، إلى جانب عشرات العينات التي ترسلها وزارة الصحة. 

الطواقم الطبية
يعتبر عدرة أنّ وباء "كورونا" أعاد الاعتبار للمستشفيات الحكومية، ولأهمية تجهيزها وتمكينها كصمام أمان وحيد على المستوى الصحي في لبنان. فـ"هذه المعادلة، أعطت الدافع لتجهيز المستشفى، وقد قامت المفوضية العليا مع وزارة الصحة باستحداث قسمٍ خارجي في مستشفى طرابلس لمرضى كورونا، ولديه قدرة استعابية لـ43 سريرًا، على أن يكون جاهزًا لاستقبال المرضى في غضون أسبوعين".  

وبما يخصّ اللاجئين السوريين، يشير عدرة أن لا مؤشرات خطرة حول وضعهم حتى الآن، "إذ لم تسجّل لدينا إصابة، إلا للاجئة سورية واحدة". القلق الأكبر حسب عدرة، هو على صحة الطاقم الطبي، فـ"نحاول أخذ الاحتياط قدر الإمكان. لكن الخطر يهدد العاملين في جميع المستشفيات. وتبقى المسؤولية على الناس بإلتزام كل التدابير الوقائية من الوباء". ورغم المعوقات الكبرى التي تواجه العاملين في هذا القطاع، بالحصول على كامل حقوقهم المالية التي يستحقوها، "لا بد من الإشادة بمناقبية عملهم مع المرضى ومواجهة كل التحديات التي تعترضهم"، أضاف عدرة.  

إذن، ما هي مطالبهم من الدولة؟ أجاب عدرة: "ما تحتاجه المستشفى الحكومي على الدوام هو الدعم المالي، للاستمرار بعملها بعد أن ألحقت بها أزمة الدولار أضرارًا كبيرة. كما أننا نحتاج إلى عدد إضافي من العاملين في القطاع التمريضي، لا سيما مع استحداث أقسام جديدة لا يمكن أن تنطلق من دون توفير كادر بشري قادر على إدارتها في هذه الأزمة".

دور البلدية ومتاعبها  
على مستوى آخر، يشير رئيس بلدية طرابلس، الدكتور رياض يمق، لـ"المدن"، أن "البلدية تقوم بالمداورة في العمل بين الموظفين، وقد جرى إلزام الجميع بوضع الكمامات". لكن المأساة الكبرى "هي في الأسواق والمناطق الشعبية، التي لا نستطيع فرض الإلتزام فيها على أحد. وفي أيام العيد، غاب الإلتزام بشكل كلي عن المدينة، حتى داخل المساجد، باستثاء الجامع الكبير الذي اتبع بروتوكولاً معينًا في صلاة الجامعة. أما كورنيش الميناء، فقد سجل أكبر حالة فوضى في صفوف المواطنين، الذين اكتظّوا على طوله، من دون اتخاذ الاجراءات الوقائية، بسبب إغلاق المطاعم والمقاهي أبوابها". 

يأسف يمق لعدم امتلاك البلدية القدرة على الضبط والضغط. أضاف: "حتى حين نطلب من الدرك استقدام دورية لمساندتنا، يكون جوابهم: "ما عنا". ما يعني أن الأزمة الحقيقية تكمن في نقص كبير بالجهوزية وبأعداد العناصر". ويرى يمق أن أزمة "كورونا" فتحت الباب على أزمات أخرى وخلقت نوعاً من الفوضى والهروب من المسؤولية. فـ"في بلدية طرابلس، هناك نقص كبير في الزفت والمواد الأولوية، كما أنّ المتعهدين يهربون من التزاماتهم بحجة الدولار والوضع الناتج عن كورونا، إلى جانب تقصير الدولة والروتين الإدارية الذي يعرقل العمل إلى حد كبير في فترات الطوارئ والأزمات".  

لدى بلدية طرابلس نحو 100 عنصر شرطة فقط، بينما في الملاك يجب أن يكون لدينا أكثر من 400 عنصر، و"هو ما يعرقل عملية ضبط المخالفات والمخالفين خلال أيام التعبئة". أما ما قد يجعل عداد الإصابات منخفضاً نسبيًا في المدينة، رغم تفشي الفوضى، فـ"لأن غالبًا لم يعد يأتي إلى طرابلس وافدون من غير المقيمين داخلها، في ظل هذه الأزمة"، أضاف يمق.