ولى زمن دولارات الخليج.. وجاء وقت إغاثة اللبنانيين الجائعين

وليد حسين
الإثنين   2020/07/13
بخلاف شائعات عن عزم دولة الكويت على وضع وديعة بقيمة ملياري دولار في مصرف لبنان، سيحصل اللبنانيون على سلة غذائية من عدس وسكر وأرز ومعلبات من الشعب الكويتي، بمبادرة من "الجمعية الكويتية للوقف الإنساني والتنمية" التي تدعو للتبرع "للأسر اللبنانية وإطعامها كي لا تموت جوعاً". 

هدف الشائعات
فالحديث عن أن "دولة الكويت تتّجه إلى وضع وديعة بقيمة ملياري دولار في مصرف لبنان الأسبوع المقبل"، ليست سوى شائعات منسوبة إلى مصادر بعض وسائل الإعلام اللبنانية. 

وهي شائعات ليست لطمأنة اللبنانيين أن هذه الدولارات الموعودة ستنقذهم من انهيار عملتهم الوطنية، ولا لطمأنتهم برد الجوع الذي يتهددهم، بل لسلبهم ما أدخروه من عملة خضراء في خزائنهم البيتية، بعدما سلبتهم المصارف ودائعهم. شائعات لجعلهم يهلعون لانتشال الدولارات من تحت وسائدهم، وبيعها إلى أقرب صرّاف بسعر صرف وسطي، قبل انخفاض مفترض لسعر الدولار أمام الليرة اللبنانية. فمليارا دولار كفيلة بملأ السوق بالعملة الخضراء وتخفيض سعر صرفها. 

إحسان كويتي
لكن شائعة الملياري دولار سرعان ما تبددت ليحل مكانها الحديث عن مساعدات كويتية حقيقية، لن يحصل اللبنانيون على أكثر منها: بقوليات وسكر ومعلبات، لسد جوع العائلات المحتاجة. 

لن تأتي عملة خضراء من الكويت. بل سيُحسن الشعب الكويتي إلى اللبنانيين قبل هلاكهم جوعاً. وهذا ما أظهره الإعلان الذي وزعته "الجمعية الكويتية للوقف الإنساني والتنمية" عن جمع التبرعات وغوث الأسر اللبنانية المحتاجة. 

لا دولارات كويتية إذاً، بل "مشروع إطعام مئات من الأسر المحتاجة في لبنان الشقيق"، كما جاء في الإعلان الذي وزعته "الجمعية" على الكويتيين لإطعامنا ومدّنا بحليب الأطفال والمعلبات وأكياس الأرز والسكر والعدس، وحتى البصل والبطاطا اللذين يزرعان في لبنان، ويعمد المزارعون اللبنانيون إلى رميها في الطرق، احتجاجاً على أسعارها البخسة التي لا تغطي كلفتها، وعلى عدم قدرة مزارعيها على منافسة المستورد منها، بسبب عدم دعم الدولة الزراعة والمزارعين، وحماية الانتاج المحلي. 

دافع ديني
هي حسنة من الشعب الكويتي الذي غالباً ما يسارع إلى الإحسان على الشعوب الجائعة. ودافعه إلى ذلك ديني إسلامي تقليدي ومعتاد في الكويت. وقد أرفقت الجمعية الكويتية إعلانها عن جمع التبرعات بآية قرآنية: "قال تعالى: وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيراً". وهذا تشجيع للكويتيين كي يلتزموا بالإحسان إلى اللبنانيين، وفق مقتضيات دينهم الإسلامي. 

لا دولارات إذاً، بل إعاشات، شبيهة بتلك التي كانت ترسل أيام الحرب الأهلية: علب كرتونية كبيرة الحجم يكتب عليها بكلمات كبيرة بارزة: "تقدمة خادم الحرمين الشريفين"، أو سواه من الملوك والأمراء.

هذه المرة لن تسارع دول الخليج لوضع ودائع بالعملة الخضراء لمنع الليرة من استمرارها في الانهيار، ولمد السلطة البائسة بالمزيد من الوقت لتستمر في النهب وتأخير الانهيار الاقتصادي. 

هذه المرة لن تسارع الدول الخليجية إلى المبارزة في ما بينها لرفع كل منها رقم القرض أو الوديعة، كما كانت تفعل في المؤتمرات الدولية للاستدانة أو للدعم. 

نهم المصارف
لا عملة خضراء لإسعاف المصارف. هذه مجرد شائعات. وربما لجأت إليها المصارف، لسلب اللبنانيين مدخراتهم "البيتية"، بعدما سلبتهم مدخراتهم المصرفية. يريدون ملاحقتهم إلى غرف نومهم وانتزاع المئتي دولار التي خبأوها تحت الوسادة، بعدما شحذوها من ودائعهم في الأشهر الفائتة، قبل توقف المصارف عن دفع "الحصة" الأسبوعية من الدولارات.

ولى زمن لبنان الذي كان يتلهف إليه أهل الكويت والخليج، كي يمضوا فيه أفضل أيامهم، رفاهيةً وسياحة وتسوقاً، والتمتع بربوعه، وبالرقي الذي يجدونه في مرافقه ومنتجعاته ومصايفه وبألق الحياة فيه، حيث ينفقون مئات الملايين من الدولارات. بتنا بلداً مفلساً لا شيء فيه، لا كهرباء ولا بنى تحتية ولا خدمات.. ولا طعام! 

لا دولارات هذه المرة من دول الخليج، بل سلة طعام تمنع عنا جوعنا، بعدما رمت السلطة اللبنانية وأحزابها اللبنانيين على حافة الجوع. 

سنحصل على سلة غذائية تسد رمقنا، ونتعود على التقشف والزهد في المأكل والمشرب، كما طلب أحد الزعماء في جبل لبنان من "شعبه"، دعياً إلى نسيان حياة الإسراف والبذخ. وأيده جبران باسيل في عرض أزياء زراعي السبت 11 تموز الجاري. 

سلة غذائية لسد جوعنا ربما تكون أفضل من مبادرات حث اللبنانيين على زراعة الشرفات وأسطح البنايات وتدبر أمرهم بأنفسهم، بعدما بات الجوع يطرق الأبواب.