كورونا يضرب بشرّي.. وقرار بعزلها

نادر فوز
الأربعاء   2020/04/08
إصابات محصورة في مبنيين و10 حالات في المستشفى وحسابات سياسية كثيرة (الوكالة الوطنية)
في بشّري، تقريباً 47 إصابة بفيروس كورونا. من بينها 6 في الطاقم الطبي لمستشفى بشري الحكومي. وأتت الأرقام الصادمة في الساعات الأخيرة لتؤكد أنّ القضاء بمرمى الفيروس، إذ تمّ تسجيل 24 إصابة بغضون 24 ساعة. الأرقام تشير إلى أنه ثمة ما يدعو للهلع، خصوصاً في ظروف بشرّي الجبلية، التي ترتفع فيها معدّلات الأعمار بسبب نزوح الفئات الشابة. وحتى أنّ إمكانيات العزل المنزلي غير مؤّمنة، كما أغلب المناطق اللبنانية، على اعتبار أن الحمّامات والغرف جميعها مشتركة لكل قاطني المنازل. أما الحديث عن دور وزارة الصحة، فينطبق الوصف على أداء الوزارة في كل لبنان منذ عقود. مستشفيات حكومية مهملة، شبه متروكة، بلا موازنات ولا متابعات. وعندما وصل الفيروس، وجد في هذه المناطق بيئات حاضنة بفعل ضعف القطاع الاستشفائي الرسمي.

حجر المنطقة
أكدت النائب عن منطقة بشري، ستريدا جعجع، أنها وافقت على طلب وزير الصحة "حجر مدينة بشرّي عن قرى القضاء، بمساعدة البلدية والأجهزة الأمنية، لكن من دون التصريح عن ذلك وقوفاً عند مشاعر اهل المدينة". وأشارت إلى أنه تم اتخاذ الخطوات اللازمة في هذا الخصوص، وأنّ الاتصالات والتنسيق مستمر مع الجهات الصحية والأمنية المعنية، معبرةً عن أسفها "بأنّ أخصامنا السياسيين وصلوا إلى هذه الدرجة من اللامسؤولية واللاوعي في هذه المرحلة الحساسة، بحيث يقدمون على تحوير وقائع لها علاقة بصحة الناس واستغلال أزمة وبائية طالت نتائجها كل اصقاع المعمورة، كل ذلك فقط لمحاولة النيل منّا".

باتت مدينة بشرّي في حجر معلن، ويزورها اليوم وزير الصحة، مع فريق طبي، للاطلاع على أحوال الطبية والاستشفائية. لكن قبل كل ذلك، ماذا عن واقع الإصابات في بشري؟

التشخيص الأول
كان الدكتور يوسف طوق، العامل في طوارئ مستشفى بشري الحكومي، هو أول إصابة كورونا أعلن عنها في المنطقة. ويقول طوق لـ"المدن" إنه توجّه لإجراء الفحص "من دون أن تظهر أي عوارض عليّ، بل فقط لأتأكد من أني لا أحمل الفيروس، وأني لا أقوم بنشر العدوى". سبقته حالتين في بشري، وهو الثالثة، فحجر نفسه لمنع تفشّي العدوى. كما تأكد إصابة طبيب آخر وممرّضتين و3 عاملين في المشفى، تم عزلهم أيضاً إضافة إلى أفراد آخرين من الطاقم الطبي. وهو ما ساهم أيضاً في إضعاف قدرة الكادر الطبي في المشفى.

إصابات محصورة
يؤكد يوسف طوق على أنّ "واقع الفيروس في بشّري عادي لكونه لا يزال محصوراً في مكانين ضيّقين لا أكثر". وهو ما يشدّد عليه أيضاً زميله الدكتور شربل طوق الذي يشير لـ"المدن" إلى أنّ "الإصابات الـ47 موجودة بين 3 عائلات تعيش مع بعضها البعض وتتشارك مبنيين سكنيين". بالتالي يمكن القول إنّ عدوى كورونا محصورة أساساً في مبان معيّنة، وليس بأحياء ولا شوارع. وهو ما يساعد على مكافحته. إذ علمت "هيئة الطوارئ الصحية في بشري" على تتبّع كل الحالات ومن خالطها وأجرت الفحوص لأغلب المخالطين.

وهنا يؤكد شربل طوق على أنّ "نسبة الإصابات عالية، لانّ عدد الفحوص كبير، ونحن نعرف لمن نجري الفحوص، للمخالطين والمشكوك بهم". فوضعت "الهيئة" لوائح إسمية منتقاة لمن يجب أن يخضعوا لفحص كورونا، وهو الأمر الذي لم يحصل بعد في معظم المناطق اللبنانية. ومن بين كل هذه الإصابات، ليس في المشفى إلا 10 حالات مصابة بكورونا لكون أغلب الحالات الأخرى عوارضها بسيطة ولا تستوجب متابعة طبية دقيقة. 

الوزارة والمستشفى
تجري وزارة الصحة يومياً بين 400 إلى 500 فحص، أكثر من 200 في مستشفى الحريري والباقي موزّع على كل المناطق اللبنانية. ضعف أعداد الفحوص يؤدي بشكل تلقائي إلى ضعف أعداد المرضى وعدم الكشف عن إصاباتهم. وذلك يؤدي بدروه إلى تفشّي المرض بشكل أكبر. أما في بشري، يجري المشفى بين 27 و30 فحصاً يومياً، ما يسمح بكشف الحالات بشكل أسرع بهدف اتخاذ الإجراءات اللازمة. لكن واقع كورونا يعيدنا إلى نقطة أساسية عن أحوال القطاع الطبي الحكومي، بحيث أنّ قضاء بشري يتطبّب في مستشفى واحد فيه 11 سريراً! لكن أطباء القضاء وبفعاليتهم استدركوا الأمر عند وصول كورونا إلى لبنان، فعمدوا إلى جمع التبرّعات لافتتاح مبنى مستشفى مار ماما، المشروع النائم على جدول وزارة الصحة منذ عقود، والذي لم تلحظ الدولة ولا القوى السياسية حاجة إلى تحريكه.

إجراءات وخطوات
يؤكد شربل طوق على أنه "بغضون 3 أو 4 أيام فتحنا مستشفى مار ماما وبات فيه 22 غرفة، أي 42 سرير، يمكن أن تستقبل مصابي كورونا". وكخطوة استباقية أخرى، تم التواصل مع عدد من أصحاب الفنادق العديدة في بشري والأرز "ووضع هؤلاء الفنادق بتصرّف البلدية والمستشفى، يبقى للمصابين الذين لا يحتاجون إلى عناية طبية البقاء فيها وتقوم البلدية ومعها المتطوعين بتأمين حاجياتهم". فأضيفت أكثر من 50 غرفة أخرى لعدد غرف الحجر لاستقبال المصابين. ولرفع منسوب الحرب مع الفيروس، تم تأمين 800 فحصاً كورونا لبشري بتبرّع من وليام طوق (500 فحصاً) ورابطة أهالي بشرّي في أستراليا (300 فحصاً)، وهو ما يساهم في تشخيص حالات أكثر ومحاصرة الوباء والحؤول دون تفشيّه.

يؤكد واقع الإصابات في بشري، والشرح المقدّم من يوسف وشربل طوق، أنّ واقع انتشار كورونا في المنطقة كبير لكن محصور. بالتأكيد تعاني بشري من الكورونا وإصابته، كما مجمل المناطق الأخرى. وكل هذا يعيدنا إلى عبارة وزير الصحة، حمد حسن، أنه "لا داعي للهلع". لكن يبدو أنّ الهلع ممنوع الشعور به في مناطق معيّنة ومسموح التسويق له في مناطق أخرى بحسب الحسابات السياسية. فعلى الرغم من كون كورونا فيروس خسيس، يبدو أنّ الخبث السياسي أقوى منه.