كورونا "يحرّر" عدداً كبيراً من السجناء في الشمال

جنى الدهيبي
الأربعاء   2020/03/25
يوجد في سجن رومية 4500 سجين وقدرته الاستيعابية هي 1500 (الأرشيف،محامون متطوعون وسجناء)

ولأنّ "رُبّ ضارةٍ نافعة"، أعطى "كورونا" بارقة أملٍ لسجناء لبنان، بعد أن استطاع هذا الفيروس أن يحقق لهم ما عجزت القوانين عن تحقيقه، لجهة البدء في إصدار قرارات الإفراج عنهم خارج إطار نظام الكفالة، تفاديًا لكارثة تفشي العدوى في سجون لبنان المكتظة. ومن الشمال، انطلقت عجلت قرارات "إخلاء السبيل" على عدد من السجناء، بانتظار أن تُعمم التجربة في مخلتف سجون لبنان. فهل ستكون أزمة "كورونا" بداية لوضع خطةٍ وطنية شاملةٍ تفرج عن آلاف المساجين اللبنانيين؟

طلبات الإخلاء
يوم الثلاثاء 24 آذار، أصدرت ​محكمة​ جنايات ​الشمال​ برئاسة القاضي داني شبلي، استكمالًا لمقررات نهار الجمعة الفائت، قراراً بتخلية سبيل نحو 28 موقوفًا من دون كفالة، وفق الآليات ​الجديدة​ التي اعتمدها ​القضاء​، بالتعاون مع ​نقابة المحامين​ في ​طرابلس​ والشمال.

وكانت لجنة السجون في نقابة المحامين شمالًا، وضعت خطة قضائية وقانونية، لمتابعة طلبات التخلية المتعلقة بالسجناء​ في سجون الشمال و​رومية​، بعد أن تقدمت اللجنة بإدارة مقررها المحامي محمد صبلوح، بـ 170 طلب تخلية أمام محاكم الجنايات ومحاكم الجزاء وأمام قضاة التحقيق. كما أن اللجنة بصدد تحضير 100 طلب تخلية سبيل لتقديمها أمام المراجع المختصة.

وفي حديث لـ "المدن"، يشير صبلوح أنّ مبادرة النقابة ولجنة المحامين فيها، ترافقت مع ارتفاع مخاطر تفشي فيروس "كورونا" في لبنان، واحتمال تسلله إلى السجون التي تشهد اكتظاظًا غير طبيعي، في ظلّ تراخي الرعاية الصحية والشحّ في تأمين وسائل الوقاية. لذا، "وضعت النقابة في مبادرتها خطة على المستويين القضائي، لجهة تنفيذ قرارات إخلاء السبيل، والصحي لجهة تأمين الرعاية داخل السجون".

المحامون والمحكمة العسكرية
لكن، وفق أيّ سندٍ قانوني تصدر قرارات "إخلاء السبيل"؟ ومن هم المساجين الذين تشملهم؟ حتّى الآن، يؤكد صبلوح أنّ طلبات إخلاء السبيل تقتصر على أصحاب الجنح فقط، الذين تتراوح محكوميتهم من أشهر وعامٍ إلى 3 أعوام، وهي تستثني أصحاب الجنايات المتهمين بجرائم خطيرة. أمام المساجين الذين يصدر قرار إخلاء سبيلهم، فيجري منعهم من السفر لضمان محاكمتهم فيما بعد. ويقول صبلوح: "هذه المبادرة للمساهمة في تخفيف أزمة الاكتظاظ داخل السجون، وبعد أن جرى إخلاء سبيل نحو 28 موقوفًا، ننتظر يوم غد الخميس تنفيذ طلبات الإفراج عن أعداد كبيرة من المساجين، من قبل رئيس محكمة الجنايات الثانية غسان مولوي، وفق المعايير نفسها، وأيضًا من دون دفع كفالة، نظرًا لتردي أوضاع الأهالي اقتصاديًا".  

يثني صبلوح على العمل الجبار الذي يقوم به المحامون والمحاميات في لجنة السجون، لا سيما أنهم يتطوعون مجانًا للعمل في هذا المضمار، ويخاطرون بأنفسهم وصحتهم لإنقاذ حياة السجناء. أما عن الأعداد التي يتوقع إخلاء سبيلها، فهي تتوقف عند تجاوب القضاة مع المحامين. وقد سعوا لخلق حالة من التنافس فيما بينهم لجهة إنجاز الملفات ورفع مقررات الإخلاء، لا سيما أنّ المسؤولية تقع على عاتقهم لجهة القيام بواجبهم في تطبيق المادة 108. وأحكام هذه المادة من قانون أصول المحاكمات الجزائية، حددت مدة التوقيف الاحتياطي بشهرين للجنحة، و6 أشهر للجناية، فيما خلا الاستثناءات الواردة فيها، وعدم تمديد تلك المدة في هذه الظروف لفترةٍ مماثلة، وخصوصاً في الجرائم التي لا تشكل أي خطورة أمنية.

المشكلة حاليًا التي تواجه "لجنة السجون"، هي مع المحكمة العسكرية، التي لا تزال طلبات الإخلاء عالقة لديها، لا سيما بعد استقالة العميد حسين عبدالله، على خلفية قضية العميل عامر الفاخوري. وهي لم تطبق حتى الآن نظام التعامل عبر الفاكس أو الإيميل المعمول به مع المحاكم الأخرى.

خطة الإخلاء
وكان نقيب المحامين في الشمال محمد مراد قد تطرق قبل يومين في مؤتمر صحافي لأزمة السجون اللبنانية في ظل الاكتظاظ الهائل، وعرض تدابير الخطة الشاملة لإطلاق سراح الموقوفين خلال أزمة "كورونا". وحسب الأرقام التي عرضها  مراد، يوجد في سجن رومية 4500 سجين وقدرته الاستيعابية هي لـ1500 فقط، سجن القبة – طرابلس يضم 817 سجينًا بينهم 576 موقوفًا وقدرته الاستيعابية هي لـ 450 سجين. سجن حلبا – عكار يضم 91 سجينًا بينهم 40 موقوفًا، سجن زغرتا 72 سجينًا بينهم 49 موقوفًا، سجن البترون يضم 67 سجينًا بينهم 48 موقوفًا، سجن أميون 66 سجينًا بينهم 37 موقوفًا، سجن دوما 28 سجينًا، إضافةً إلى مئات السجناء الموقوفين أو المحتجزين في نظارة قصر العدل في طرابلس، ومراكز التوقيف والمخافر والمفارز، ناهيك عن باقي سجون لبنان، والسجون التابعة لوزارة الدفاع، والعائدة إمرتها إلى الجيش اللبناني.

وقد أشار صبلوح أن نظارة قصر العدل في طرابلس، تعاني من أوضاع كارثية على المستوى الصحي وبنيتها التحتية، وتغيب عنها كلّ تدابير الوقاية والتعقيم تصديًا لتفشي الفيروس.

أمّا الخطّة القانونية التي طرحتها نقابة محامي الشمال للإسهام في إطلاق سراح الموقوفين إحتياطيًا لحمايتهم من إنتشار الفيروس، فتلخصت وجوب اتخاذ التدابير التالية، بعد أن أعلنت النقابة عن إنشاء مركز اتصال Call Center على الرقم: 03115086، يتم تلقي طلبات تخلية السبيل من أماكن التوقيف عبر الهاتف، ثم تعبئة استمارة خاصة في المركز، يتم المصادقة عليها وفقاً للأصول، وبعدها يُصار الى إرسال الاستمارة من قبل المركز إلى القاضي المعني عبر البريد الإلكتروني مع إتصالٍ تأكيدي، وبعد صدور القرار المتخذ بنتيجة الطلب، بالطريقة نفسها على العنوان الإلكتروني Taskforce@bba.org.lb، ليُصار بعدها إلى إعادة القرار المتخذ إلى مركز التوقيف لإجراء المقتضى.

وكانت النقابة قد طالبت القضاة بوجوب تطبيق أحكام المادة 108 الآنف ذكرها، والتعجيل في بتّ طلبات إخلاء السبيل، بالنسبة للموقوفين الذين أمضوا الفترة القصوى للعقوبة المنصوص عنها في مادة الاتهام، والذين لم تنتهِ محاكماتهم بعد، إلى جانب تفعيل المحاكمات في القاعة المخصصة لذلك داخل سجن رومية، عزل الموقوفين الجدد لمدة أسبوعين لاحتمال إصابتهم بالفيروس، وإجراء الفحوصات الطبية اللازمة، وذلك منعاً لنقلها إلى داخل السجن. كما طالبت بتخفيض الكفالات عند تقرير تخلية السبيل إلى الحدّ الأدنى المسموح به قانوناً.

تنسيق صحي
وكان لافتًا أنّ نقابة المحامين في الشمال عملت بالتنسيق مع نقابة الأطباء في الشمال، ولجنة إدارة الكوارث في محافظة لبنان الشمالي، وقدمت الإستراتيجيات الضرورية والسريعة للإسهام في الحدّ من إنتشار الفيروس في السجون، وقد طالت هذه الخطة 5 مستويات: المساجين، أهالي السجناء والزوار، العسكريون المكلفون بحماية السجون، الفريق اللوجستي داخل السجن (العسكري والمدني) والموقوفون الوافدون حديثًا إلى السجن.

وفي سياق "كورونا" داخل السجون، كان نقيب الأطباء في بيروت شرف أبو شرف أصدر بيانًا يوم الثلاثاء أكد فيه عدم وجود الفيروس في سجن رومية حتى الآن، لافتاً إلى أن الإكتظاظ يشكل خطرًا على السجناء. وطالب أبو شرف تأمين المستلزمات الطبية للسجون، معلناً أن نقاباته ستتابع تأمين الحاجات اليومية وتقديم التوعية والإرشادات الصحية. كما وتوجه إلى رئيس الجمهورية ميشال عون لإصدار عفو خاص عمّن لا تتجاوز عقوبته سنة واحدة.

أمّا نقابة المحامين في بيروت، وبحسب المعلومات، فقد بدأت بوضع خطة موازية لخطة نقابة الشمال، بغية تعميم التجربة على مختلف السجون اللبنانية.