كورونا والسلطة والمصارف.. والعنصرية: أي فيروس أكثر نهشاً باللبنانيين؟

نادر فوز
الإثنين   2020/02/24
كأن مأساة اللبنانيين بحسان دياب وجبران باسيل وسائر الشلّة الحاكمة لا تكفيهم! (Getty)
وصول الكورونا إلى لبنان أمر جلل. ليس لكون الفيروس قاتلاً وخبيثاً ومتغيّراً جينياً فقط، بل لأنّ دولتنا الفاشلة مسؤولة عن مواجهته. فيها وزير للصحة يدعونا إلى عدم الهلع في حين معظم الكرة الأرضية وأنظمتها السياسية والطبية هالعة. فيها مطار استقبل طائرة بعض ركابها مصابون بالفيروس، دون حجز ولا احتراز. وفيها قطاع طبي واستشفائي، مريض، بحاجة هو إلى العلاج. ومع وصوله من إيران، عزز الكورونا مرض العنصرية، الداء اللبناني الاجتماعي والنفسي الدائم. فكان تحميل الإيرانيين مسؤولية نقل الفيروس عن سابق قرار وتصميم، وما رافقه من دعوات إلى نبذ الإيرانيين وحدهم من بين سائر المجتمعات "المُكَوْرَنة".

التعالي والتكبر
سياسياً وعقائدياً يأتينا كل شر من إيران، كما غيرها من الإمبراطوريات. شعوب اليمن والعراق وأوضاع لبنان، مروراً بسوريا، تشهد على ذلك. والشعب الإيراني أيضاً ضحية منسية في هذا المسلخ الشرق الأوسطي. ومعاداة إيران، في السياسة والاقتصاد والعسكر والفكر والمشروع، أمر طبيعي. لا بل أنّ معاداتها واجب سياسي وأخلاقي لما جنته على المنطقة، وما تحمله من توسّع وسيطرة وتغيير واحتلال. لكن التعالي والتكبّر، على كل ما هو مختلف، على كل ما هو "غريب"، مرض أعمى. وعلى شكل تمرين شبه يومي، يأتي السؤال المتكرّر عن سبب شعور (بعض) اللبنانيين بالتفوّق الدائم على باقي مجتمعات المنطقة.

وللعلم فقط، فإنّ المسافرين من لبنان إلى سوريا براً، يتوقّفون للفحص الطبي على الجهة السورية من المعبر. على تلك المعابر أطباء يحملون أجهزة فحص الحرارة من الجبين والأذن، ويتنقلّون على العابرين واحداً تلو الآخر. وهذا الإجراء، حتى لو كان صورياً، يبعث شعوراً بالأمان، أو بالمسؤولية على الأقل. شعور مفقود في لبنان على كل المستويات وفي القطاعات كافة. يكفي أنّ لا سياسة وقائية اعتمدتها الحكومة لعزل مصابي الكورونا أو المشتبه بإصابتهم. ويكفي أيضاً أنه في حال اكتشاف عوارض المرض، ليس في مستشفى رفيق الحريري الجامعي سوى أسرّة أربعة للعزل. يعني لا وقاية ولا عزل ولا خطة. وليس على اللبنانيين أن يهلعوا، لأنّ "الإيمان بالله ولبنان، يصنعان المعجزات".

وإلى جانب كل هذه المشاهد المستجدة نتيجة وصول الكورونا، الكهرباء المقطوعة وأموال الحساب المصرفي المحجوب عن أصحابه والمواد التموينية المفقودة والأسعار المشتعلة وتهديد الإفلاس التام وصولاً للانهيار. وكل هذه المآسي ملفوفة بورقة التعالي والتكبر، مربوطة بشريط العنصرية الرسمية و/أو الاجتماعية، وتقدّمها لنا الدولة وسياسيوها عند كل استحقاق.

عطس طائش
لنتخيّل مثلاً لو أنّ الفيروس القاتل اكتُشف في مخيم للاجئين السوريين أو الفلسطينيين. تلك واقعة كانت لتشكّل قمة في العنصرية والفاشية. وفي الأساس ثمة من يتعاطى مع اللاجئين على أنهم فيروسات، بهيئات بشرية، تضرب المجتمع وتحلّله، تقوده إلى الهلاك الديموغرافي والاقتصادي والثقافي.

في زمن الانهيار والإفلاس، يحلّ كورونا على لبنان ليجهز على اللبنانيين. ينضمّ الفيروس إلى لائحة الفيروسات السياسية والمصرفية التي تنهشهم منذ عقود، لكن مفعوله مضاعف. يضع حياتهم على المحكّ من جهة، ويعزّز فشل دولتهم من جهة أخرى. وكأنّ الفيروس ينقصهم لينغّص يومياتهم أكثر. كأن لا تكفيهم عروض حسان دياب الفارغة على "الباور بوينت"، ولا إطلالات جبران باسيل المتلفزة وما في جعبة أنصاره من قيء عنصري وطائفي. لا تكفيهم قرارات المصرف وحاكمه، ومعه كل من مدّد له ولسياساته. ولا تكفيهم بلطجة الطوائف وأحزابها وما تحمله من خبث. وفي سردية النكات على كورونا، كان اللبنانيون يهابون الموت من رصاص طائش في الأفراح والأحزان، صاروا يهابون الموت من عطس طائش. لا دولة تحميهم من أي سوء، بل يبتكر مسؤولوها كل أشكال السوء لذلّهم. وكأن الفيروس القاتل جاء ليستكمل ذلك. وصوله، وربما انتشاره، قمة في اللؤم. قمة في التشفّي.