الطرابلسي وائل حمزة اختزل روح الثورة.. فاعتقلوه

جنى الدهيبي
السبت   2020/01/25
منذ 17 تشرين أشارك بشكل دائم في كلّ التظاهرات لأجل لبنان وطرابلس (المدن)

حين حملت طرابلس لقب "عروس الثورة"، لم يعنِ أنّ انتفاضة 17 تشرين الأول 2019 كانت طيًّا نهائيًا لصفحاتٍ سوّغت أفظع النعوت وأقساها بحقّ المدينة وأهلها. ما قبل هذا التاريخ، وُصمت المدينة بأحكامٍ مسبقة لمرادفات مثل "قندهار" و"وكر الجماعات الإسلامية" و"المتطرفة" و"المحافظة" و"الخانعة" لزعامتها. لكنّ ما بعد هذا التاريخ، بدا جليًا أنّ كلّ محاولات خرق الثورة الطرابلسية وفضّها، كانت، ربما، بواحدة من أهدافها، هو طمس لقبها الجديد، الذي استرجعت فيه، ولو معنويًا، بعضًا من مكانتها المهمّشة، وشيئًا من محورية دورها المهدور.

"المندسون"!
تحديات كبيرة وكثيرة أفرزتها ثورة تشرين، تمرّ بها طرابلس صعودًا وهبوطًا. ولا شكّ أنّ ساحات الثورة في طرابلس صارت مستباحة، وهي تقاوم مخططات الشيطنة والتشويه والإستغلال أمنيًا وسياسيًا، ومن جهات مختلفة، تجد في هذه المدينة أرضًا خصبة لـ"الاستثمار" وتنفيذ الأجندات. هذه المخططات المشبوهة، جعلت من خريطة الثورة في طرابلس فسيفساء شديدة التعقيد، قد يصعب فرزها، وإن كانت تنضوي تحت حقيقةٍ واحدة لا لُبس فيها، وهي: السواد الأعظم في هذه المدينة اختار الثورة طريقًا لتغيير واقعه المرير والخلاص، لا بل التحرر من المنظومة الحاكمة بفسادها وطائفيتها.

في الأسبوعين الأخيرين، مع تصاعد وتيرة العنف والمواجهات في وسط بيروت وأمام مجلس النواب بين المتظاهرين والقوى الأمنية، لم يسلم ثوّار طرابلس من كسب مرادفات جديدة إلى قاموسهم الدسم بالنعوت والأحكام. وُصف المشاركون الذين توجهوا بالباصات نحو بيروت بـ"المندسين" و"المخربين" و"المشبوهين" وحاملي الفتنة لإشعالها مع القوى الأمنية. وهو يعكس جزءًا كبيرًا من الأزمة اللبنانية في علاقة المركز (العاصمة) مع أبناء الأطراف، والنظرة الدونية لهم بالعزل والتهميش وحتّى التعالي عليهم، ويظلم آلاف الثائرين والثائرات الذين يخوضون ثورتهم الصادقة خارج منطق الأجندات وحسابتها.


العفوي والصادق
في آخر المواجهات العنيفة لهذا الأسبوع، بين المتظاهرين والقوى الأمنية، ظهر الشاب وائل حمزة بمشهدٍ شديد الحساسية، يختصر حكاية آلاف شباب وشابات طرابلس، الذين لم يختبروا منذ نشأتهم سوى الغبن والظلم. ليلة الثلثاء، وبعد اشتداد المعركة أمام مجلس النواب، كان وائل واحدًا من الشباب الذين هربوا، وقد وصل إلى جسر شارل الحلو وهو يهرول هلعًا وهربًا من قبضة القوى الأمنية وقوّة مكافحة الشغب، أمام النقل المباشر لبعض التلفزيونات اللبنانية. وأثناء استصراحه من مراسلي MTV وlbci، عفويًا وصادقًا وحقيقيًا وشفافًا في كلامه، لدرجةٍ استدعت توقيفه يوم الخميس في طرابلس، من قِبل جهاز فرع المعلومات.

كان وائل يهرب إلى بعد بيت الكتائب، تأتي نحوه المراسلة، ويقول لها "عم نادي القوى الأمنية تجي توقف معنا"، ثمّ يسأل غاضبًا بلهجته الطرابلسية: "وينك يا الشعب اللبناني؟ عم نموت من السمّ وعم تروح أيدينا وعيونا". يجاهر وائل الذي يؤكد على سلميته وأنّه جاء فخورًا من طرابلس، ثمّ يقاطعه "زميل الثورة" الذي لفّ وجهه بالكوفية وتعرّى من قميصه في البرد، ويقول منفعلًا وغاضبًا: "وأنا من عكار كمان، نحنا منا إرهابية، نحنا بدنا حقوقنا ونحنا جوعانين". يجد وائل نفسه بطيبته وبساطته مضطرًا لتبرير سبب مجيئه من طرابلس "الطرف" إلى  بيروت "العاصمة": "جيت بدنا نسقّط شرعية السلطة وما عم يسمحولنا، وعم يحطولنا حديد وحواجز"، يتابع زميله العكاري: "نحنا منّا زعران ولا مندسين".

الاعتقال وما بعده
يرفض وائل باستصراحه إعطاء فرصة للسلطة: "ليه نحنا عطول بدنا نعطي فرصة؟ يعطونا البلد سنة واحدة وإذا ما زبط يدعسوا علينا.. أنتوا ما شفتوا الشعب الطرابلس واللبناني قدي جوعان ومظلوم، وأنا اليوم: يا منتصر يا محبوس يا ميّت". لكن، ما استدعى توقيف وائل، كان بقوله: "أبو العبد كبارة وفيصل كرامي وديما جمالي وسمير الجسر عم يبعتوا عالم يشاغبوا ببيروت"!

لقي وائل حملة تضامن واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي قبل وبعد توقيفه، وقد أُفرج عنه ظهر أمس الجمعة. يؤكد لـ"المدن" أنّه لم يتعرّض لأي مضايقات أو تعنيف أثناء توقيفه، و"المعلومات تعاملوا معي بكلّ رقي واحترام" وفقه، ويضيف: "بعد ظهوري على الهواء، بحثت المعلومات على نشرتها فوجدت أنّ عليّ غرامة لم أدفعها، وقد سألوني عن سبب الاتهامات التي وجهتها لنواب طرابلس".

وائل البالغ 30 عامًا، لم يُكمل دراسته بعد نيل شهادته البروفيه، وهو حاليًا عاطل عن العمل بعد أن عمل في عددٍ من المؤسسات وترك عمله في قطر قبل سنوات. تابعت قضيته نقابة المحامين في طرابلس، ونفذ متظاهرون اعتصامًا أمام سرايا طرابلس تضامنًا معه قبل الإفراج عنه. يقول: "منذ 17 تشرين أشارك بشكل دائم في كلّ التظاهرات لأجل لبنان وطرابلس، وأنا فخور بمشاركتي، وأشعر دائماً أن أهل الشمال مفصولين عن بيروت. ورغم أنّ الرأي العام اللبناني تغيّرت نظرته تجاه المدينة، لكن السلطة وأدواتها تصرّ على تشويهها. وقد وجهت الاتهامات وإن كنت لا أملك دلائل ملموسة، لأنني أعرف كلّ من حولي في طرابلس وأعرف توجهاتهم، وهناك جهات مشبوهة استطاعت تضليل المئات، بينما السلطة تسعى يوميًا إلى اختراق الشارع لإنهاء الثورة".

يختم قائلًا: "اليوم أسعى إلى أن أكون أكثر وعيًا، لأنّ الثورة لا يزال مسارها طويلًا، ولن نتراجع عنها مهما كلّف الأمر".