بيروت عودة الروح.. الناس إلى الشارع

نادر فوز
الأحد   2020/01/12
طالما الـ"هيلا هو" بخير، فإنّ الثورة بخير أيضاً (مصطفى جمال الدين)

حمّودي على الأكتاف يردّد شعارات الثورة. ابن السنوات السبع يهتف لإسقاط النظام، ضد حكم المصرف والفاسدين. "مش سلمية مش سلمية، هيدي ثورة مش غنّية"، يصرخ فيردّد الجمهور من حوله. يغني للمولوتوف على أبواب شركة كهرباء لبنان. طالما الكهرباء مقطوعة ما الحاجة إلى هذا المبنى وإلى دفع رواتب العاملين فيه؟ تساؤل أكثر من منطقي: "مش شايفين الدولة شو عم يصير فيها؟ الدولة سرقت المصاري، أخذوهم، سرقهم رياض سلامة"، يقول حمّودي قطيش. وهو لا يردّد هذه الشعارات في المدرسة "لأنّ لكل مكان أجواؤه". كل هذا يؤكد أنّ جيل الثورة بخير. وطالما أنّ هذا الجيل بخير، فإنّ الثورة بخير أيضاً.

حمودي قطيش "هيدي ثورة مش غنّية" (نادر فوز)



عودة الزخم
عاد الزخم إلى شوارع بيروت، بعد أسابيع من الرخاء الثوري. فسار آلاف المنتفضين في تظاهرة انطلقت من منطقة الدورة وصولاً إلى شارع ويغان حيث مدخل البرلمان، مروراً بمناطق برج حمود ومار مخايل والجميزة. ولكل من هذه المناطق رمزية ما، عملت المسيرة على إعادة الاعتبار لها. لكن الأهم أنها جاءت لتؤكد أنّ الثوار لا يزالون في الشارع، ومستعدون لإعادة إحياء ما انطفأ في فترات الأعياد والعُطل الاستثنائية، نتيجة الصراعات الإقليمية وآثارها. لكن الأكيد أنّ الجمود الشعبي في الأسبوعين الأخيرين استغلته السلطة بشكل كامل. فهذه القيادات تمتهن الاستغلال أينما كان وكيفما كان. فنفذت ثورتها المضادة عبر الإطلالات الإعلامية لإعادة الاعتبار لزعاماتها ومناصبها حيناً، وعبر الاستدعاءات والتوقيفات للاستفراد بالناشطين حيناً آخر. وذلك لم يملأ انتهازيّتها طبعاً. فكان الوقت مناسباً لإعادة الانقضاض على الشارع ومطالبه وشعاراته. إذ أعادت السلطة بازار التشكيل الحكومي إلى المربّع الأول من خلال ما يتم تسريبه عن ضرورة قيام حكومة "لمّ الشمل"، تكون الوجوه السياسية ضرورية لمواجهة ما يحصل في المنطقة والوقوف عند تحدّياتها. وهنا معضلة جديدة أمام السلطة، في إيجاد مخرج دستوري لإقصاء الرئيس المكلّف، حسان دياب. معضلة من بين معضلات عديدة على السلطة مواجهتها آخرها إطفاء الثورة. ففي رصيد هذه السلطة كمّ من الفشل والفساد وسوء الإدارة، يغذّي الثورة ويمدّ ثوارها بالعناوين تباعاً. فبين أزمة صرف الدولار وانقطاع التيار الكهربائي وارتفاع أسعار المواد الغذائية وجيش البطالة المتنامي وأداء المصارف وإدارتها، لن تخمد ثورة 17 تشرين. ستشتعل من جديد وهذه المرة بعناوين الجوع والفقر قبل محاكمة الفاسدين واستعادة المال المنهوب وإدارة الدولة. باقتباس روسو "إذا الشعب جاع بياكل حكامه"، الذي رفعه المتظاهرون أمس، ستكمل الثورة طريقها.

شعارات وهتافات
بين الدورة وشارع ويغان، تنوّعت شعارات المسيرة. هتف المنتفضون ضد رئيس البرلمان نبيه بري وزوجته، "51 بالمية، رندة وِحدة حرامية". هتفوا ضد المجلس النيابي مجتمعاً، "مية و28، ضحكوا علينا باسم الدين" و"28 ومية، كلهم قرطة حرامية". ولامست الهتافات شركة سوليدير أيضاً، "سوليدير وسخة وسخة، مجلسنا عنها نسخة". وردّيات كثيرة غيرها طالت العديدين من رموز هذه السلطة، مثل "يا رياض ويا سلامة انت أكبر حرامي، يلا ثوروا على المصرف... يا نقولا ويا شماس، ما عندك ذرة إحساس، إنت أساس الإفلاس، يلا ثوروا على المصرف... يا صفير ويا سليم، عاملي حالك فهيم، وانت بالسرقة سقيم، يلا ثوروا على المصرف". والأهم من كل ذلك، كانت عودة أغنية "هيلا هو" بنسختها الأصلية ضد رئيس التيار الوطني الحرّ، الوزير جبران باسيل. وهذه مناسبة للقول إنه طالما الـ"هيلا هو" بخير، فإنّ الثورة بخير أيضاً. فهذا يعني أنّ ما تمّ كسره معنوياً منذ الساعات الأولى لثورة 17 تشرين لا تزال مفاعيله سارية إلى الآن. فذكر أسماء السياسيين، كلهم، مرافقة بالشتم والنقد ودلالات فسادهم، يعني أنّ الشارع لم يتراجع عن شعاراته وأولها "كلن يعني كلن".

محطّات المسيرة
كانت الدعوة لانطلاق التظاهرة من منطقة الدورة مفاجأة للبعض. لكن فيها ما يكفي من رسائل وأولها الانفتاح الطبيعي على منطقة المتن، وأولها جل الديب التي لا يزال ناشطوها يحاولون استعادة زخم شارعهم. وفيها أيضاً محطة أساسية في منطقة برج حمود وما فيها من دلالات. إحدى أحزمة الفقر المحيطة بالعاصمة، إحدى أكثر الأحياء تنوّعاً على المستوى الاجتماعي وخليط الهوية الثقافية، وأكثر المناطق تضرراً من فساد الدولة في ملفات البيئة والنفايات. فكان تفاعل أهل برج حمود طبيعياً مع الناس التي تهتف ضد السلطة في الشارع. وبين مار مخايل والجميّزة، كانت محطة شركة كهرباء لبنان. هذه المغارة الكبيرة في خزينة الدولة نالت نصيبها من الهتافات. وبينما كانت عناصر وحدات مكافحة الشغب تنتشر داخل حرم الشركة، لم يوفّر عشرات المتظاهرين المناسبة لطرق الحجارة على أسوار الشركة علّ ضجيجهم يصل إلى آذان من لا يريد أن يسمع. وثم كانت محطة عند جمعية المصارف بين شارع الجميزة ومدخل وسط البلد، حيث باتت الشعارات معروفة ضد حكم المصرف. ومع وصول المتظاهرين إلى شارع ويغان حيث مدخل البرلمان ومقر بلدية بيروت، باتت الشعارات ضد حكم الأزعر.  

تؤكد مسيرة الدورة- البلد أنّ الثورة بخير. وأنه ما أن انزاحت العاصفة خرج اللبنانيون إلى الشارع مجدداً بحثاً عن الضوء والأمل في ثورتهم. هؤلاء سيواجهون الثورة المضادة ولن توقفهم حملات السلطة المتتالية ووقاحتها. والمفيد في هذا الصراع المستمرّ أن اسم حسان دياب يغيب عن الجهتين. عسى من يتفقّده في منزله لأنّ غيابه طال، وكذلك صمته. أم تراه يخطّ مجلّد "أيام في التكليف"، وفيه إنجازات رئيس حكومة مكلّف منسي.