مشكلة عويصة بين نهر الليطاني ومخيمات اللاجئين

لوسي بارسخيان
الإثنين   2019/07/08
"مصلحة الليطاني": لا نواجه مخيمات النازحين وإنما الجمعيات الدولية التي ترعاها (لوسي بارسخيان)

في تطور قضائي بملاحقة الجهات الملوثة لنهر الليطاني، انتقلت هيئة المحكمة الجزائية المنفردة في زحلة برئاسة القاضي محمد شرف إلى مخيمات للنازحين السوريين في قب الياس وبر الياس وحوش موسى، إستكمالا لمجريات الدعوى المرفوعة من قبل المصلحة الوطنية لنهر الليطاني بحق جمعية الرؤيا العالمية، والتي تتهمها المصلحة بتلويث نهر الليطاني، من خلال تجهيز الحمامات في هذه المخيمات ووصل إمداداتها لتصب مباشرة في النهر.

وجهة الاتهام
وافق القاضي شرف على المعاينة الحسية لواقع هذه التعديات، قبل ان يتخذ قراره بشأن الطلب الذي تقدمت به مصلحة الليطاني بإزالة هذه الحمامات وإمداداتها عن النهر، والتي اعتبرها رئيس المصلحة الوطنية لنهر الليطاني سامي علوية، خلال مشاركته في الجولة، دليلاً حسياً على تعديات الحمامات التي تقوم الجمعيات بتركيبها في المخيمات.

بدا علوية حريصاً على أن يصوب وجهة الإتهام، الذي أكد أكثر من مرة أنه لا يستهدف النازح السوري، لافتاً في المقابل إلى أن هذه المخيمات هي جزء من مشكلة تلوث الليطاني. وما يهمنا من وجودها هي أنها تقع في الأملاك النهرية. والمشكلة الأسوأ أن هناك من يؤجر هذه الأملاك إلى الجمعيات الدولية، لتقيم عليها المخيمات. والبلديات التي تتقاضى مبلغ ثلاثة ألاف ليرة عن كل نازح لتنظيف محيط المخيمات لا تقوم بذلك. معتبراً أن الأبشع من كل ما ذكر، أن الجهات الدولية التي تقوم بتركيب الحمامات، تلزم متعهدين سحب المياه الآسنة من جورها، إلا أنها إما تتقاعس عن مراقبة عملية التطبيق، أو أن المتعهدين يسحبون هذه المياه الآسنة فعلاً، ويرمونها مجدداً في النهر.

رفض علوية في تصريح لـ"المدن" اتهام المصلحة أنها تستقوي على الحلقة الأضعف بين ملوثي الليطاني، مشيراً، وبصرف النظر عن جنسية النازحين، فإنه لا يجوز أن يغرقوا في مجاريرهم ويُغرقوا المحيط بها. وبالتالي، نحن لا نواجه بدعوانا مخيمات النازحين وإنما الجمعيات الدولية التي نعتبرها الحلقة الأقوى في قضيتنا.

شروط الدولة وحاجات اللاجئين
ليست الدعوى بحق "الرؤيا العالمية" الوحيدة المرفوعة من قبل مصلحة الليطاني، وإنما هناك دعاوى بحق جمعيات إغاثية أخرى توجه إليها اتهامات مشابهة، لتكشف الجولة على مخيم حوش موسى جمعية إضافية ستباشر الإجراءات القانونية بحقها، وإن حاولت "الرؤيا العالمية" تحميل مسؤولية التقصير إلى أصحاب الأراضي التي تؤجر للنازحين، الذين يمانعون مثل هذه التمديدات، إضافة إلى واقع النزوح الذي تعاطت معه هذه الجمعيات في بدايته على أنه مؤقت ولمرحلة قصيرة، فيما طول إقامة هؤلاء بالمخيمات بات يحتم إنشاءات أكثر ديمومة، لا تسمح بها القوانين اللبنانية، بحجة مواجهة أي محاولات توطينية لهؤلاء النازحين. علماً أن الدولة اللبنانية التي ترفض إضافة إنشاءات عمرانية في مخيمات النازحين، ليس لديها في المقابل أي معايير تحدد شروط السلامة والنظافة في هذه المخيمات، التي أكد ممثلو الرؤيا العالمية أنهم قاموا بأكثر من مسعى لتجهيزها بإنشاءات صحية، ولكنهم كانوا يواجهون بممانعة مالكي الأراضي وأصحابها.

ولتأكيد الإرادة الموجودة لديها بتأمين المعالجة السليمة للمياه الآسنة في هذه المخيمات، أصر ممثلو الجمعية على اصطحاب القاضي شرف إلى مخيم في بر الياس، حيث جهزت الحمامات بالبنى التحتية المطلوبة. إلا أن مشكلة التلوث في هذا الموقع، والذي يشكل مصباً لمياه الصرف الصناعي من جهة، والمياه المبتذلة التي تصب من أحياء برالياس وغيرها، سلطت الضوء على مشكلة تلوث الليطاني، التي يعلم الجميع أنها لم تبدأ مع النزوح السوري ولا تنتهي بإنتهائه.

والصرخة التي ارتفعت من بر الياس قبل فترة خير دليل على المأساة السنوية لأبناء البلدة، الذي يغرقون سنويا بالسموم التي يحملها مجرى النهر من القرى التي تعلوها، والتي تضيف إليها إمدادات شبكة الصرف الصحي التابعة لبر الياس وتصب بدورها في النهر.

مبادرات إيجابية
قد تكون واحدة من البوادر الإيجابية التي طرأت على المعالجات المطروحة لهذه المشكلة، هي موافقة الحكومة الايطالية على تمويل محطة المرج وتلزيمها. وهي محطة ستعالج مياه الصرف الصحي الناتجة في كل من المرج، برالياس، عنجر ومجدل عنجر.

كما يشير علوية لـ"المدن" إلى التقدم الذي حصل في ملف التلوث الصناعي، إذ استطاع القضاء أن يفرض على بعض المعامل تطبيق المعايير البيئية في معالجة صرفها. إلا أن كل ذلك لن يكون كافياً لتنظيف مياه الليطاني من السموم التي لا تزال تصب فيها. ومصلحة الليطاني، وإن استطاعت أن تفرض معاييرها في حماية ممتلكاتها النهرية، فهي لا تزال حتى الآن تفتقد للتعاون المطلوب من كل الوزارات المعنية لتتحمل مسؤوليتها في هذا الملف، بل أنها في بعض الأحيان تجد نفسها مضطرة لمواجهة التغطيات السياسية لبعض المخالفات، وخصوصا في ما يتعلق بالمخالفات الصناعية.

يضاف إلى هذا كله المسؤولية الملقاة على عاتق البلديات، التي يقول علوية أنه عليها الكف عن التعاطي مع الممتلكات النهرية بمنطق الزبائنية، وأن تلعب دورها في منع التعديات على حرم النهر ضمن نطاقاتها.