انتفاضة في الجامعة اللبنانية!

وليد حسين
الأربعاء   2019/06/19
يتواطأ أمين سر "الرابطة" ورئيس "المندوبين" في حملة ترهيب الأساتذة وإخضاعهم (المدن)
كما كان متوقّعاً، طيّرت الأحزاب نصاب جلسة الهيئة التنفيذية لرابطة الأساتذة المتفرغين في الجامعة اللبنانية. وشقّت تلك الأحزاب صفوف الأساتذة، لفرض وقف الإضراب كأمر واقع. وتزامن هذا "الإجراء" مع المذكّرات الإدارية الصادرة عن رئيس الجامعة، فؤاد أيوب، التي يمنع بموجبها الأساتذة من السفر، وطلبه من عمداء ومدراء الكلّيات "الإفادة عن أسماء الأساتذة المتخلّفين عن القيام بواجباتهم التعليميّة والإداريّة، تمهيداً لاتخاذ الإجراءات الهادفة إلى إنقاذ العام الجامعي". أي محاولة لاصطياد الأساتذة "بالمفرّق" عبر تهديدهم. وقد اعتبر رئيس رابطة أساتذة الجامعة اللبنانية، يوسف ضاهر، أنّ هذا التهديد المبطّن عبارة عن إذلال للأساتذة بالتوازي مع إمعان السلطة في إذلالهم وتشويه سمعتهم.

المستقبل وأمل
ووفق مصادر "المدن"، ثمّة ملاحقة ممنهجة للأساتذة من أجل إخضاعهم. وقد تمّ الإيعاز إلى أعضاء الهيئة التنفيذية بعدم تحقيق نصاب الجلسة يوم الأربعاء، وبعدم تلبية دعوة ضاهر لجلسة الثلاثاء. ولفتت المصادر إلى وجود هجمة شرسة من "تيّار المستقبل" يقودها أمين السرّ في الهيئة التنفيذية عامر حلواني، الذي بات يسبق رئيس مجلس المندوبين علي رحّال (حركة أمل) في إعطاء الأوامر والتعليمات، متجاهلاً الأعراف المؤسّساتية التي تقوم عليها الرابطة، حتى بات بمثابة رأس الحملة التي تعمل على إخضاع الأساتذة، ويتلو التعليمات فيسير خلفه الأعضاء السبعة في الهيئة التنفيذية، الذين وقفوا ضد العودة إلى الهيئة العامة، لبحث بمصير الإضراب.

أمام هذه الهجمة الممنهجة على الأساتذة، وبعد "تطيير" نصاب جلسة الهيئة التنفيذية، تداعى الأساتذة لتنفيذ اعتصام حاشد أمام مبنى الإدارة المركزية للجامعة، يوم الخميس في 20 حزيران، الساعة العاشرة صباحاً، تزامناً مع بدء سريان مفعول وقف الإضراب.

التعويل على المندوبين
يعوّل أساتذة الجامعة اللبنانية على التوصيات التي سيخرج بها مجلس المندوبين يوم السبت المقبل. إذ بإمكانه نقض قرار الهيئة التنفيذية (وقف الإضراب) عبر رفع توصية للاستمرار في الإضراب، في حال صوّت أقلّه 83 مندوباً لصالح الإضراب. ووفق مصادر حراك المندوبين، فإن الحصول على هذا العدد سهل المنال، وستحدث مفاجآت لجهة عدد الأساتذة الحزبيين المعترضين على أداء أحزابهم بالذات، فهؤلاء الأساتذة المنتمين إلى مختلف الأحزاب والحركات والتيارات، ممتعضون من تخاذل أحزابهم في قضية الدفاع على حقوق الأساتذة والجامعة. فحال الاعتراض يطال جميع الأحزاب من دون استثناء. وهذا أحد الأسباب التي دفعت رئيس مجلس المندوبين الدكتور علي رحّال إلى تأجيل انعقاد المجلس إلى يوم السبت بدلاً من الثلاثاء الماضي، بغية التقاط الأنفاس وإعادة حساب الربح والخسارة وموازين القوى داخل المجلس.

ولفتت المصادر إلى وجود حالة غضب عارمة بين صفوف الأساتذة الحزبيّين، رغم تمسّكهم العلني بأحزابهم. وباتوا يتلمّسون وجع طعنة أحزابهم في ظهرهم، ما جعل العديد منهم يظهرون إلى العلن وقوفهم ضد أحزابهم. إذ تمكّن حراك المندوبين من جمع أكثر من 70 توقيعاً لمندوبين حضروا إلى الرابطة يوم الثلاثاء. هذا فضلاً عن وجود العشرات الذين لم يحضروا حينها. 
وتشير المصادر المتابعة إلى أنّ أغلبية الأساتذة والمندوبين يبدون امتعاضهم من أحزابهم في مجالسهم الخاصة وعبر منصّات المحادثة المغلقة عبر هواتفهم. وسينتفضون لكرامتهم بعدما شعروا بالمهانة، كما لو أنهم يتسوّلون حقوقهم المكتسبة.
وإذ تؤكد المصادر على حالة الغليان هذه بين الأساتذة، تلفت إلى وجود هجمة حزبيّة غير مسبوقة، للاقتصاص من الأساتذة، خصوصاً أنهم انتقلوا من قضية المطالبة بحقوقهم المادية ولقمة عيشهم، إلى ممارسة عمل نقابي حقوقي شامل. إذ باتوا يخوضون معركة حول تفسير وتطبيق النظام الداخلي لرابطة الأساتذة، بعد "الفظاعات" التي ارتكبت في الأسبوعين الفائتين، حين بات البعض يتصرّف كما لو أنّ الرابطة ملكاً خاصّاً يفسّر قوانينه كما يحلو له.

وعي نقابي يتبلور
بعد دخول أساتذة الجامعة في الشهر الثاني من الإضراب المفتوح، ولجوء أحزاب السلطة إلى ممارسة ضغوط كبيرة عبر مكاتبها الطلابية، وعبر ممثّليها من الأساتذة في الهيئة التنفيذية ومجلس المندوبين، وعبر مدراء الفروع، لفكّ الإضراب عنوة عن رأي أكثر من 70 بالمئة من الأساتذة في الفروع كافّة، أنتج حراك الأساتذة وعياً نقابياً لم يتبلور بعد بشكل تام، لتشكيل تيّار نقابي مستقل. لكن بروز شبه "انتفاضة" بين الأساتذة الحزبيّين بسبب عزم أحزاب السلطة على ضرب الجامعة اللبنانية، قد يفضي إلى حالة وعي مختلفة حول دور الأساتذة في جامعتهم. فإضافة إلى بروز اعتقاد لدى الأساتذة بأن أحزاب السلطة تريد إظهارهم للرأي العام كجيش من الجشعين، يأخذون الطلاب كرهائن، لتحصيل بعض المكاسب المادية الخاصة، ثمّة انتقادات من بعض الحزبيين بأنّ أحزابهم تعمل جاهدة على كمّ أفواههم وسلبهم حتى إمكانية إبداء رأي مخالف لتعليمات الحزب. وهذا "أحد صنوف الديكتاتورية"، كما قال البعض.

ولعل أبلغ تعبير عن حراك الأساتذة الحالي، أنهم بدأوا يلتفتون إلى أنّ مشكلتهم ما زالت مطلبيّة وحقوقيّة ومتعلقة بالمكتسبات المادية، ولم ترتقِ بعد لتطال مصير الجامعة. وباتوا يرددون أن أحزاب السلطة لا تريد للجامعة أن تكون صرحاً أكاديمياً للنخب الثقافية، بل باباً للتوظيف والمحسوبيّات، وتعمل جاهدة على جعل الأساتذة مجرّد "مدرّسين" وحسب، يركضون وراء تحصيل لقمة عيشهم. أي حصر دورهم داخل جدران قاعات الدرس ومحاصرتهم داخل أسوار الجامعة، وقمع حتى رغباتهم وأهوائهم في البروز كفئة مثقّفة، صاحبة رؤية سياسيّة واجتماعيّة واقتصاديّة للنهوض بالبلد.