الطفل أنس قشقوش: معاناة بطل رياضي تبدأ باكراً

جنى الدهيبي
الجمعة   2018/09/21
مسارٌ طويل من الجهد راح سدى

"هل أُعاقب لأنّني لاجئ فلسطيني؟". هذا السؤال، لا يتأخر الطفل الفلسطيني أنس قشقوش (11 عاماً) عن طرحه، استنكاراً وغضباً، بعدما صُدم بمنعه من المشاركة للمرّة الثانية على التوالي في بطولة العالم للكيك بوكسينغ، لعدم استطاعته الحصول على تأشيرة سفر إلى إيطاليا.

قصّة بطل الكيك بوكسينغ أنس، والمقيم في مخيم البداوي شمالاً، تعكس واقعاً أليماً ومرّاً يعيشه اللاجئون الفلسطينيون، لاسيما الأطفال منهم، الذين يجدون أحلامهم تحترق، بسبب واقعهم الصعب الذي يفوق قدرتهم على المواجهة والتصدّي.

والد أنس حسام قشقوش، وهو رياضي، يحكي لـ"المدن"، قصّة معاناة ابنه التي بدأت من حزيران 2018، وسعيه معه إلى تحقيق حلمه الذي بدا مستحيلاً. في ذلك الوقت، ذهب المنتخب الفلسطيني المؤلف من فلسطينيين من الداخل وفلسطينيين من الشتات، إلى السفارة اليونانية من أجل الحصول على تأشيرة للمشاركة في البطولة هناك. لكنّ الخمسة، وهم من فلسطينيي الشتات، رُفض طلباتهم بحجة أنهم لا يملكون الأوراق الثبوتية اللازمة، من دون أيّ توضيح آخر. "هذا الأمر قهرنا كثيراً، وابني بكى في السفارة". أخيراً، كانت بطولة العالم للكيك بوكسينغ للصغار في ايطاليا في 15 أيلول 2018. "تأملنا بها كثيراً لأنّها مخصصة للصغار فحسب، وقد كان أنس بكامل جهوزيته، بعدما خضع لتدريبات مكثّفة في منتخبه، وبدأ يرسم أحلامه بتتويجه بطل الصغار في العالم للكيك البوكسينغ، لأنّه كان واثقاً من قدراته البدنيّة والاحترافية العالية".

مسارٌ طويل من الجهد راح سدى. وفيما بدأ الوالد بتحضير أوراق ابنه منذ أشهر، إلّا أنّ السفارة الايطالية لم ترد على طلب التأشيرة لا بالقبول ولا الرفض، لاسيما أن مواعيدها تأخذ وقتاً طويلاً قبل تحديدها، وهي تتأخر عادةً في اعطاء التأشيرات. "عتبي كبير على السفارة الفلسطينية واللجنة الأولمبية التي لم تستعجل في ارسال الورقة اللازمة للسفارة، وكان مستحيلاً أن نأخذ التأشيرة في اليوم نفسه، وقد دفعنا ثمن تأخير اللجنة والسفارة الفلسطينية"، يقول والد أنس، قبل أن تعود به الذاكرة إلى ما حصل في آذار 2018. إذ كان هناك بطولة القارات بقوة الرمي. إلا أنّ المنتخب الفلسطيني لم يحصل من مصر على موافقة أمنية للمشاركة، من دون تبرير السبب. لكن صدفةً، "استطعت السفر مع أنس، لأنني أتجاوز الـ40 عاماً، وهو ما دون الـ14 عاماً. نجحنا في تمثيل منتخب فلسطين، وحصل أنس على ميداليتين ذهبيتين في بطولة القارات، وعلى مركز ثانٍ في مصر في بطولة الصغار".

يتحدث أنس واثقاً ومتزناً كما لو أنّه تخطّى سنوات المراهقة التي لم يدخلها بعد. يدرك جيّداً ما يريد، ويؤمن بقدراته التي نمتْ بمثابرته. هو الأول في مدرسته دائماً. يتميّز بذكائه اللامع وتفوقه الأكاديمي في مدرسة كوكب في مخيم البداوي، ويسعى للحفاظ على هذا المستوى الذي اعتاده، في صفّه السادس هذا العام. "الكيك بوكسينغ هوايتي المفضلة والشغوف بها والتي احترفتها. أحبّ كرة القدم كذلك، وأطمح أن أصبح طبيباً جراحاً في المستقبل". يضيف أنس: "أشعر بزعلٍ كبير، لأنّ كل الصغار تفتخر بلدانهم بهم، إّلا أنا، كنت محروماً من تمثيل فلسطين في الخارج".

وعلى من الحقّ برأيك؟ لا يتردد بالجواب مع غصّةٍ كبيرةٍ بصوته: "الحقّ على كلّ العالم". يعتبر أنس أنّ العالم بأسره يقف في وجهه ووجه الفلسطينيين أمثاله، ولا يسمح لهم بتمثيل بلدهم في المحافل الدولية من دون إذلالهم. "كذلك سفارتنا تتحمل المسؤولية الكبيرة لأنها لا تتحرك بجدّية تجاه قضايانا".

يعتز أنس أنّه تدرب مع منتخبه الفلسطيني في نادٍ صغير امكانياته محدودة ولا يشبه النوادي الكبيرة والضخمة، لكنه حقق المستحيل، وصنع أبطالاً عجزت أكبر النوادي عن صنعها. وفيما كان أنس ينوي التوقف عن لعب الكيك بوكسينغ بسبب اليأس الذي أصابه لحرمانه من بطولة ايطاليا، إلّا أنّه ما لبث أن عاد عن قراره، ليستمر في التحدّي والإصرار، بعدما لمس تضامن الناس معه وتشجيعهم له، لما يحمله من بصيص أمل لكثير من اللاجئين.

من جهته، يشير رئيس الاتحاد الفلسطيني للكيك بوكسينغ نزار طالب، لـ"المدن"، إلى أنّ قضيّة أنس لا شقّ قانونياً لها، إنما هي معاناة الرياضيين الفلسطينيين منذ زمنٍ بعيد. "نحن قمنا بنهضة في الرياضة داخل المخيم، لنكون علامة فارقة، وعندما دخلنا المخيم، كان الوضع يرثى له. إذ بدا الرياضيون بلا أهداف، بعدما أصابهم الإحباط بسبب حرمانهم من المشاركة في أيّ بطولة عالمية". وفي ما يخصّ الدول الأوروبية، فـ"هي لا تعطي تأشيرات للاجئين، مثل اليونان وايطاليا، بسبب الوضع السياسي والأمني، وهناك قرار حاسم، رغم المفاوضات مع اليونان، لكنها رفضت اعطاء التأشيرات. وقانونياً، لا نستطيع فعل شيء، لأن السفارات لها الحقّ باتخاذ القرار الذي يناسب أمنها وأمان بلدانها من وجهة نظرها".

لكن، ما هي الخطوات التي ينوي الاتحاد القيام بها لاحقاً؟ "كي نتفادى هكذا موضوع، سنحاول لاحقاً تقديم طلباتنا قبل فترة كبيرة، ونطلب من اللجنة الأولمبية مراسلة السفارة في الوقت المناسب، ونحصل على دعم أكبر، ليس من اللجنة الأولمبية فحسب، إنما من السفارة الفلسطينية أيضاً. علماً أننا طلبنا من السفارة الفلسطينية التدخل في قضية أنس، إلا أنّ الوقت كان متأخراً".

يأمل طالب أن يحظى اللاعبون الفلسطينيون بفرصة في الدول الأوروبية، "من أجل إظهار صورتنا الحقيقية والإيجابية التي شوهها الإعلام". وقد كانت هذه المشاركة الأولى الفعلية لفلسطين دوليّاً بعد انشاء الاتحاد الجديد.