الضنية: نبع السكر فوق الغيوم

بشير مصطفى
الجمعة   2018/08/17
تزداد الزيارات إلى النبع صيفاً
تجربة بنكهة الحلم هي زيارة نبع السكر في جرود الضنية، الذي اكتسب تسميته من رزاز الماء الذي يشبه حبيبات السكر.

يعتبر نبع السكر أعلى الينابيع اللبنانية، حيث ينبع من أسفل جبال الأربعين ليتجه نزولاً قاطعاً قرى الضنية وصولاً إلى بحيرة عيون السمك والنهر البارد. فما إن تجتاز بلدة بقرصونا الواقعة على ارتفاع 1050 متراً حتى يبدأ الضباب يتكدس ويحجب الرؤية، ويزداد الشعور بأنك تقصد المجهول ومكاناً مثيراً للحشرية والاستكشاف.

ومع الاقتراب من الجرود، تبدأ الأحوال النفسية بالتبدل ويحل تذوق الجمال مكان الخوف، عندما يشعر العابرون انهم أصبحوا فوق الغيوم.

وتزداد التجربة غموضاً عندما تتقدم في الطريق بعيداً من المناطق المأهولة. وحدها الشاحنات الآتية من كسارات الجرود تخدش سكينة المكان. وتزداد الرحلة صعوبة كلما اتجه الزائر صعوداً. وتعتبر طريق نبع السكر واحدة من الطرق الأخطر للقيادة، ففي أرض المغامرات لا مكان للسائقين محدودي الكفاءة أو السيارات الصغيرة. لذلك، أدرك أهالي الجرد أهمية امتلاك سيارة رباعية الدفع، التي يفضل أن تكون رباعية الدفع.

وتزداد الزيارات إلى النبع صيفاً، عندما ترتفع أشعة الشمس ويبدأ اللبنانيون البحث عن نسمة هواء بارد. وما إن تقترب إلى نبع السكر حتى تبدأ أشعة الشمس التسلل من بيت الغيوم، وتنشر الحياة في بساتين التفاح والكرز والاجاص، بالإضافة إلى بعض الخضار الموسمية. وعندما يصل المصطاف إلى صخرة غاية في الضخامة، يشعر أنه أدرك مقصده في نبع السكر، ويبدأ بنسيان المشقات التي تكبدها في طريق الصعود.

وتزداد جاذبية النبع كلما اقترب الزائر من المجرى، وتنطلق المياه الجارية بغزارة تأخذ الألباب. ومع النزول نحو الوادي، تبدأ حبيبات السكر الباردة بملامسة الوجوه والأيدي، لتتحول بعد قليل إلى تدفق خطير على شكل شلالات غريزة بيضاء، لتدعوك إلى أخذ الحيطة والحذر وإلا... 



يمتاز نبع السكر بعذوبة مياهه. لذلك، لا يتردد الزوار في أخذ غرفة ماء تشفي من العطش. وفي السنوات الماضية، تجاوز نبع السكر دوره كشريان حياة لقرى الضنية. فمع بدء انتهاء أعمال سد بريصا، تحول النبع ومحيطه إلى مقصد للمصطافين وهواة التصوير من الضنية ومختلف المناطق اللبنانية. وأصبحت الطريق إلى نبع السكر فرصة لبعض المزارعين الذين يفرشون سحاحير الخضار على حافة الطريق.

وبدأ هواة المشي استخدام ممر درب الجبل، الذي يربط منطقة بقاعصفرين بأعالي بقرصونا، واختبار تجربة فريدة برفقة أشجار الصنوبر والشربين والسنديان المعمر وسلالات نادرة من النباتات والحيوانات البرية.