كنز بعلبك المنسي: ما هو مغر الطحين؟

لوسي بارسخيان
الثلاثاء   2018/05/22
معظم هذه الفتحات طمرتها النفايات

عندما وجهت جمعية التعايش والانماء بالتعاون مع المديرية العامة للأثار دعوة إلى ندوة بعنوان "مغر الطحين: كنز بعلبك المنسي"، كان السؤال الأول الذي يطرح ما هو "مغر الطحين"؟

بالطبع، هذا ليس سؤال أهالي حي الشراونة الذي يحتضن "المغر". فبالنسبة إلى هؤلاء ثمة حكايات وتحديات عايشوها في أنفاقه، وتوالفت معها الأجيال، لتجعل من المكان "اسطورة"، يجمع أهالي الحي على قيمتها التاريخية، حتى لو لم يتوافقوا على عمرها العلمي.

لعلها المرة الاولى التي يُذكر فيها حي الشراونة، من دون أن يرتبط بأعمال مخلة بالأمن. والفضل في ذلك يعود ليوم التراث العالمي، الذي أضاء على "كنز بعلبكي منسي"، خنقته سنوات الاهمال والفوضى، وجعلته يغرق في مستنقعات آسنة، حجبت عنه نبض المدينة الأكثر شهرة تاريخياً.

أطل عمر الصلح الستيني خلال الندوة ليخبر عن تحديات شباب جيله الذين كانوا يسبرون المغر قبل سنوات، محاولين الوصول عبر أنفاقه إلى قلعة بعلبك. في هذه الانفاق، اكتشف الأهالي كما يروي "بز اليهودية"، وهو الاسم الذي يطلق على قطعة حجرية بيضاء داخل ما يعرف بالمذبح، حيث يتحدث الصلح عن تبدل لون الحجر بسبب الأضاحي التي كانت تقدم هناك. ويروي الصلح عن استخدامات سابقة للانفاق التي كانت تخبأ فيها أعلاف الحيوانات في عمق يصل أحياناً إلى 500 متر، بالإضافة إلى ما شكلته للمزارعين من مأوى لرؤوس الماشية، وقد ساعدهم في ذلك نظام التهوئة الذي جهز في المكان، والذي سمح حتى باستخدام المغر كملجأ آمن لأهالي الحي خلال عدوان تموز 2006 الإسرائيلي.

لا يبدو الموقع حالياً وفقاً للعرض الذي قدمته الدكتورة جانين عبد المسيح، التي وضعت دراسة للمكان بالتعاون مع طلاب "أثار" من بعلبك، مكاناً صالحاً لمغامرات مشابهة. رغم أن تكوينه الهندسي، يشير إلى استخدام فتحاته في فترة معينة كبيوت حجرية ومدافن، رسمت تكاوينها مقالع الحجر التي شكلها المكان، حيث كان استخراجه يتم يدوياً عبر حفر الخنادق، التي تسمح باستخراج نوعية الحجارة الأفضل من باطن الأرض.

شرحت عبد المسيح أن تسمية الطحين ترتبط بالطبيعة الكلسية لموقع "المقلع"، الذي كان يتأثر بعوامل طبيعية وتسرب للمياه يظهره سطحياً حجراً مفتتاً. داخل المغر يمكن ملاحظة طبيعة الأدوات التي كانت تستخدم لاستخراج كتل الحجر الضخمة، وقد أجريت في المكان دراسات طوبوغرافية لمعرفة قياس هذه الكتل وطبيعة استخدامها في "برامج كبيرة للبناء سواء في المرحلة الرومانية أو الاسلامية".

وإذا كان التوثيق التاريخي لهذه الآثار يحتاج إلى مقارنة أثرية وتنقيبات إضافية، كما تشير عبد المسيح، فإن بعض المكتشفات يمكن أن تؤشر إلى عمر هذا المغر. ومن بينها منحوتات رومانية ظهرت عند بعض الفتحات، وتعطي فكرة أولية عن امتداده التاريخي.

لكن، معظم هذه الفتحات طمرتها حالياً النفايات، وركدت فيها مياه "المجارير" التي حُولت إليها من "العمران الحديث" بعد اجتياحه الموقع، بحيث لحقت بالمغر "المصيبة" ذاتها التي لحقت بمعظم المقالع التاريخية المتناثرة في بعلبك، وأبرزها "مقلع الكيال"، وأحياناً بتشريعات قانونية سمحت باستخدام المقالع كمكبات للنفايات. وهنا تحديداً برز تدخل جمعية التعايش والانماء.

كان هدف الجمعية، كما يشرح حسين حسن لـ"المدن"، وقف الضرر اللاحق بهذا المعلم، في مقابل اهتمام الجهة الممولة بالمجتمع المحيط بهذا المغر، وتركيبته الديموغرافية المتنوعة طائفياً. عليه، ولدت أرضية مشتركة بين الطرفين، أمنت تمويلاً وصلت قيمته وفقاً لما شرحه ممثل UN- HABITAT إلى 300 الف دولار، للانطلاق بمراحل المشروع التي قسمها إلى ثلاثة.

فالأولوية حالياً هي لإزالة تعديات المجارير على المعلم. وهنا اصطدمت الجهود، كما شرح حسين الصلح من الجمعية، باعتراضات الأهالي القلقين من الاقتراحات المقدمة. فيما المراحل الأخرى تقضي باعادة تأهيل المكان واستعادة رونقه، مع اقتراحات قدمت لإقامة حديقة عامة بمواد خفيفة تعرف الزوار على هذا المعلم الاثري وربطه بسلسلة المواقع الباقية كقلعة بعلبك ومقالعها الأثرية الأخرى. بالتالي، ضمه إلى الخريطة السياحية التي تؤمن انتعاش الحي اجتماعياً واقتصادياً.