عيادة فلسفية في لبنان: تصالحوا مع عقولكم

بشير مصطفى
الأربعاء   2018/02/28
الاستشارة تتم على جلسات متلاحقة وتتسم بالسرية (بشير مصطفى)

تجربة بنكهة التحدي تخوضها الدكتورة كارولينا خوري البعيني من خلال تأسيسها أول "عيادة فلسفية" في لبنان. فبدءاً من أواخر العام 2017، فتحت مكتبين للاستشارات الفلسفية في زغرتا ومجدليا. وهما مجهزان لخوض نقاشات فكرية في قضايا تمس صميم المعاناة الإنسانية.

وتعبّر البعيني عن سعادتها بالنجاح الذي تحققه رغم مضي فترة قصيرة على افتتاحها. فهي وضعت هدفاً كبيراً لها "مصالحة الناس مع الفلسفة والعقل" والانتقال بالفكر الفلسفي من الميدان النظري إلى المجال العملي والتطبيقي. وهذا ما بدأت تشعر به من خلال مساعدة الأفراد على نفض هموم الحيرة عنهم واتخاذ القرارات الصائبة.

ترفض البعيني إطلاق تسمية معالجة عليها، فهي "مستشارة فلسفية". وتستقبل أفراداً من مختلف الفئات، لديهم أسئلة وجودية أو بحاجة إلى مساعدة على اتخاذ قرارات منطقية أو حتى مشاكل يومية. وتجري مقارنة بين عملها وعمل المعالج النفسي، فهي تستخدم أسلوب الحوار السقراطي، إذ تقوم بخوض نقاش مع الفرد من أجل الوصول معه إلى حقيقة ما يشغل باله وتفكيره، في وقت يقوم المعالج النفسي بمعالجة أشخاص لديهم عوارض نفسية مرضية. وتشير إلى أنها لاحظت ظاهرة الكبت لدى أكثرية طالبي الإستشارة. ولا يقتصر هذا الكبت على البعد الجنسي الذي تناوله سيغموند فرويد، إنما يتجاوزه إلى القضايا التي تدخل في دائرة التابو. وتؤكد البعيني أنه في حال ظهور أي عوارض نفسية على الشخص تقوم بتحويله مباشرة إلى طبيب نفسي مختص.

وتجزم البعيني أن الاستشارة الفلسفية لا يمكن أن يمارسها أي شخص أو أن تكون عشوائية. فقد خضعت لفترة إعداد لمدة 7 سنوات في لبنان قبل أن تخوض تجربة فتح العيادة. وشاركت في دورات مكثفة في فرنسا. وتلفت إلى أن الفئات المستفيدة من العيادة هي أفراد وثنائيات وجماعات.

وتتم الاستشارة على جلسات متلاحقة، تتسم بالسرية وتعتمد على عامل الثقة. وتستمر الجلسة الواحدة لمدة 45 دقيقة، لأنه في حال طالت الجلسة يمكن أن يخرج الحوار عن السكة الصحيحة ويدخل في مرحلة اللغو. وتتحدث البعيني عن بدل مادي رمزي، وقد أصرت على ذلك لأن الأشخاص عندما يدفعون المال يشعرون بالمسؤولية ويصرون على المتابعة والصدقية.

وتعود بالذاكرة إلى الوراء، لتشير إلى الدعم الذي تلقته فكرتها من المفكر الراحل موسى وهبة، الذي أصر عليها لتترجم رسالة الدكتوراه التي أشرف عليها إلى العربية، التي كانت عصارة الجهد في مجال "الفلسفة العيادية".

وتقر البعيني بوجود صعوبات تواجه هذه التجربة الفريدة في لبنان والمنتشرة في العالم الغربي، حيث يعاني المواطن العربي عموماً واللبناني خصوصاً من مشكلة مع الفكر الفلسفي. وتعيد السبب في ذلك إلى الأنظمة التربوية وكيفية تقديم الفلسفة للمتعلمين بقوالب جامدة ونظرية بعيدة من الواقع المعاش.