برّاد عمومي في بلِسْ: طعام لكل محتاج

باسكال بطرس
الأحد   2018/11/18
أصناف الأكل والحلوى داخل البرّاد في تصّرف غير الميسورين من دون أي مقابل (علي علوش)

يُفاجأ كلّ من يمرّ من أمام مسجد الداعوق في شارع "بلِسْ"، برأس بيروت، ببرّاد كبير وُضِع على جانب الطريق مُرفقاً بعبارة "عندك؟ اعطِ؟.. عايز؟ خود"، في إشارةٍ الى إمكان أيّ شخص أن يضع داخله ما تيسّر له من مأكولات ومشروبات ليستفيد منها المحتاجون.

بلا حرج

تحت عنوان "نحنا لبعض"، أطلقت المواطنة الدكتورة الغذائية لين كريدية، بالتعاون مع صديقها الدكتور عبد المجيد معبّي، هذه المبادرة الإنسانية اللافتة منذ حوالى شهرين، لمساعدة أولئك الذين يتعذّرعليهم أحيانا تأمين لقمة عيشهم.

 

وتكشف كريدية في حديث لـ"المدن"، أنّها استوحت الفكرة من والدتها، "المنهمكة دائما بتحضير موائد الطعام في منزلنا الذي اعتاد على استقبال المدعوّين. وفي كل مرة يبقى الكثير من الطعام، ونحتار ما نفعل به. فكنا نضعه في أطباق ونخرج بحثا عن محتاجين نعطيهم إياه"، وتقول أنّ "كميات كبيرة من الطعام تُهدر على الموائد، فيما لا يستطيع الكثيرون شراء المأكولات، وهو ما دفعني والدكتور عبد المجيد إلى تجسيد هذه الفكرة ووضع برّاد على الرصيف المجاور، انطلاقا من مبدأ أن نعطي الآخرين من دون إحراجهم، وبالتالي يستطيعون متى أرادوا أن يقصدوا البرّاد من تلقاء أنفسهم، وأخذ ما يحتاجونه من طعام وشراب".

 

وسرعان ما تفاعل المواطنون مع هذه المبادرة الفرديّة التي تستمرّ اليوم بشكل عفويّ وحقيقي. إذ أصبح البرّاد، الذي تتم تعبئته أحيانا أكثر من أربع مرّات يوميّاً، نتيجة الإقبال الكثيف عليه، مقصدا لكل إنسان محتاج من جهة، ولكل إنسان قادر أو راغب في مساعدة غيره.

 

مساهمة المطاعم

تشير كريدية إلى أنّ "عددا كبيرا من المطاعم والؤسسات والمحلات التجارية، التي يكتّظ بها شارع بلس، قد أبدت رغبتها في مساعدتنا وهي تساهم معنا باستمرار، من خلال وضع ما توفّر لديها من أصناف الأكل والحلوى داخل البرّاد، وفي تصّرف غير الميسورين، ومن دون أي مقابل".

"ولأنّنا حريصون جداً على استمراريّة هذه الخطوة"، تتابع كريدية: "وضعنا عند البرّاد أوراق لاصقة يتوجّب على كل من يودّ أن يترك طعاما، كتابة تاريخ إدخاله إلى البراد"، مؤكدة "نطّلع يومياً على صلاحيّة كل ما يحتويه البرّاد، حفاظا على المصداقية وعلى سلامة الجميع".

 

صون الكرامة

يبدي جميع من سكّان وروّاد بليس إعجابهم بهذه "المبادرة المميّزة". وتؤكد سيدة عجوز التقيناها قرب البرّاد، الذي قصدته للحصول على زجاجة مياه، أنّ "هذا البرّاد يصون كرامة الفقراء وينقذهم من الجوع الكافر"، شاكرة كل القيّمين عليه وداعية لهم "بالتوفيق كل حياتهم".

ولا تقتصر هذه المبادرة الإنسانية على الطعام والشراب، إذ سبقتها مبادرة بدأت منذ سنة ونصف السنة ولا تزال قائمة، لكنها تتعلق بالتبرّع بالملابس للمحتاجين.

صحيح أنّ مبادرات فردية كهذه لا يمكن أنّ تحلّ محلّ خطط واضحة من قبل الدولة والمجتمع لمكافحة الفقر في لبنان، إلا أنها، في ظلّ الأوضاع الاقتصادية والمعيشية الهشّة، تضيء بصيص أمل صغير، وأن "الدنيا لا تزال بألف خير".

وعليه، لا بدّ من تعميم هكذا مبادرات، جنّدت مئات الأشخاص من بيروت، على جميع المناطق اللبنانية، في سبيل إيصال الى كل محتاج حاجته من دون وسيط. فأي مساهمة، مهما كانت صغيرة، تصنع فارقاً كبيراً.